الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون

قوله تعالى : قال كم لبثتم في الأرض قيل : يعني في القبور . وقيل : هو سؤال لهم عن مدة حياتهم في الدنيا . وهذا السؤال للمشركين في عرصات القيامة أو في النار . عدد سنين بفتح النون على أنه جمع مسلم ، ومن العرب من يخفضها وينونها . قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في القبور . وقيل : لأن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب في قبورهم . قال ابن عباس : أنساهم ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى الثانية ؛ وذلك أنه ليس من أحد قتله نبي ، أو قتل نبيا أو مات [ ص: 144 ] بحضرة نبي إلا عذب من ساعة يموت إلى النفخة الأولى ، ثم يمسك عنه العذاب فيكون كالماء حتى ينفخ الثانية . وقيل : استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور ، ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده . فاسأل العادين أي سل الحساب الذين يعرفون ذلك فإنا قد نسيناه ، أو فاسأل الملائكة الذين كانوا معنا في الدنيا ؛ الأول قول قتادة ، والثاني قول مجاهد ، وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي قل كم لبثتم في الأرض على الأمر . ويحتمل ثلاثة معان : أحدها : قولوا كم لبثتم ؛ فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد الجماعة ؛ إذ كان المعنى مفهوما . الثاني : أن يكون أمرا للملك ليسألهم يوم البعث عن قدر مكثهم في الدنيا . أو أراد قل أيها الكافر كم لبثتم ، وهو الثالث . الباقون قال كم على الخبر ؛ أي قال الله تعالى لهم ، أو قالت الملائكة لهم كم لبثتم . وقرأ حمزة ، والكسائي أيضا ( قال إن لبثتم إلا قليلا ) الباقون قال على الخبر ، على ما ذكر من التأويل في الأول ؛ أي ما لبثتم في الأرض إلا قليلا ؛ وذلك أن مكثهم في القبور وإن طال كان متناهيا . وقيل : هو قليل بالنسبة إلى مكثهم في النار ؛ لأنه لا نهاية له . لو أنكم كنتم تعلمون ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية