الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه

                                                                                                                                            3423 - ( عن عمران بن حصين قال : { كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء ، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق ، فقال : يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ فقال : بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج ، يعني العضباء ، فقال : أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ، ثم انصرف فناداه ، فقال : يا محمد يا محمد ، فقال : ما شأنك ؟ قال : إني مسلم ، قال : لو قلتها وأنت تملك [ ص: 360 ] أمرك أفلحت كل الفلاح ، ثم انصرف عنه فناداه : يا محمد يا محمد فأتاه فقال : ما شأنك ؟ فقال : إني جائع فأطعمني ، وظمآن فاسقني ، قال : هذه حاجتك ، ففدي بعد بالرجلين } . رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( لبني عقيل ) بضم العين المهملة كما تقدم . قوله : ( العضباء ) بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم باء موحدة ، وقد تقدم الكلام في ضبطها في كتاب الحج . قوله : ( بجريرة حلفائك ) الجريرة : الجناية . قال في النهاية : ومعنى ذلك أن ثقيفا لما نقضوا الموادعة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد .

                                                                                                                                            وفي الحديث دليل على ما ترجم المصنف الباب به من أنه لا يزول ملك المسلمين عن الأسير بمجرد إسلامه ، لأن هذا الرجل أخبر بأنه مسلم وهو في الأسر فلم يقبل منه صلى الله عليه وسلم ولم يفكه من أسره ولم يخرج بذلك عن ملك من أسره .

                                                                                                                                            وفيه أيضا دليل على أن للإمام أن يمتنع من قبول إسلام من عرف منه أنه لم يرغب في الإسلام وإنما دعته إلى ذلك الضرورة ولا سيما إذا كان في عدم القبول مصلحة للمسلمين ، فإن هذا الرجل استنقذ به النبي صلى الله عليه وسلم رجلين مسلمين من أسر الكفار ، ولو قبل منه الإسلام لم يحصل ذلك ويمكن أن يقال : إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح " أي لو قلت كلمة الإسلام أو هذه الكلمة التي أخبرت بها عن الإسلام قبل أن يقع عليك الأسر لكنت آمنا ولم يجر عليك ما جرى من الأسر وأخذ المال ، ولم يرد بذلك رد إسلامه بل قبله منه ولكنه لم يحصل بإسلامه الفكاك من الأسر وإرجاع ما أخذ من ماله فلم يحصل له كل الفلاح لأنه لم يعامل في تلك الحال معاملة المسلمين بل عومل معاملة الكفار فبقي في وثاقه وتحت ملك من أسره ، وعلى هذا يكون في الحديث دليل على ما أراد المصنف ، لأن الرجل صار مسلما ولم يزل عنه ملك المسلمين ، وأما على تقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه الإسلام من الأصل فلا يكون فيه دليل على ذلك لأن الرجل باق على كفره .

                                                                                                                                            وفي الحديث مشروعية إجابة الأسير إذا دعا ، وإن كرر ذلك مرات والقيام بما يحتاج إليه من طعام وشراب ومعنى قوله " هذه حاجتك " : أي حاضرة يؤتى إليك بها الساعة .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية