الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3412 [ ص: 300 ] باب ما جاء في غلول الأمراء، وتعظيم أمره

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب غلظ تحريم الغلول) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص216-217 ج12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي هريرة ; قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ذات يوم) ، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره. ثم قال: "لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك" ].

                                                                                                                              [ ص: 301 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 301 ] (الشرح)

                                                                                                                              ( عن أبي هريرة ) رضي الله عنه; ( قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ذات يوم - فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره) هذا تصريح بغلظ تحريم الغلول.

                                                                                                                              وأصل الغلول: الخيانة مطلقا. ثم غلب اختصاصه "في الاستعمال": بالخيانة في الغنيمة.

                                                                                                                              قال نفطويه : سمي بذلك، لأن الأيدي مغلولة عنه. أي: محبوسة. يقال: غل غلولا. وأغل إغلالا.

                                                                                                                              ( ثم قال: لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته بعير له رغاء) . قال النووي : هكذا ضبطناه "ألفين" بضم الهمزة، وبالفاء المكسورة. أي. لا أجد أحدكم على هذه الصفة. ومعناه: لا تعملوا عملا، أجدكم بسببه: على هذه الصفة.

                                                                                                                              قال عياض : وفي رواية العذري : "لا ألقين" بفتح الهمزة والقاف. وله وجه كنحو ما سبق. لكن المشهور: الأول.

                                                                                                                              "والرغاء" بالمد: صوت البعير. وكذا المذكورات بعد وصف كل شيء بصوته.

                                                                                                                              (يقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك) قال عياض : معناه: لا أملك لك من المغفرة والشفاعة شيئا، إلا بإذن الله. قال: ويكون ذلك أولا غضبا عليه لمخالفته. ثم يشفع في جميع الموحدين بعد ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 302 ] ( لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك.

                                                                                                                              لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك.

                                                                                                                              لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم: يجيء يوم القيامة، على رقبته صامت) . "الصامت": الذهب، والفضة.

                                                                                                                              ( فيقول: يا رسول الله! أغثني. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد أبلغتك) .

                                                                                                                              نبه "صلى الله عليه وآله وسلم" بهذه الأشياء: على غيرها.

                                                                                                                              وفيه: أنه لا يملك هناك شيئا لأحد، من الله تعالى: إلا بعد إذنه له; صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يدري: هل يؤذن لهذا الرجل أم لا؟ لأن الإذن لا يكون إلا لمن ارتضاه الله تعالى. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لا يشفع إلا لمن أذن الله له. وهو موافق لقوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه . وقوله سبحانه: ما من شفيع إلا من بعد إذنه .

                                                                                                                              [ ص: 303 ] ونحو ذلك من الآيات المصرحة بكون: الشفاعة ملتوية على إذنه سبحانه.

                                                                                                                              وقد غير إبليس الرجيم طوائف من الناس في هذا الأمر، فاغتروا بشفاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واعتقدوا أنها واقعة منه صلى الله عليه وآله وسلم لا بد، لكل امرئ من هذه الأمة، صنع ما صنع. ولا يرون ربطها بالإذن، فجاءوا بذنوب لا تحملها الجبال، وارتكبوا ما تضيق عنه صدور الأبطال. مع أن شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم لأهل الكبائر من أمته: ثابتة بالنص في الصحيح. ولكن قيدها القرآن بإذن الله. وقيدتها السنة بالتحديدات التي وردت في أحاديث الباب. كما في صحيح البخاري وغيره: "فيحد لي حدا". ولا بد للشفاعة من: الموت على الإيمان، والسلامة عن سوء الخاتمة. وهي تكون بإذن الله تعالى، لمن شاء. وكيف شاء. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

                                                                                                                              اللهم! ارزقنا شفاعة نبينا، وامح أوزارنا بجودك، يا أرحم الراحمين! وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.

                                                                                                                              [ ص: 304 ] قال القاضي عياض : استدل بعض العلماء بهذا الحديث على: وجوب زكاة العروض والخيل. ولا دلالة فيه لواحد منهما; لأن هذا الحديث ورد في الغلول، وأخذ الأموال غصبا، فلا تعلق له بالزكاة.

                                                                                                                              وأجمع المسلمون على: تغليظ تحريم الغلول، وأنه من الكبائر. أي: من غير فرق بين القليل منه والكثير. وقد صرح القرآن والسنة بأن: الغال يأتي يوم القيامة، والشيء الذي غله معه. قال تعالى: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة .

                                                                                                                              قال النووي : وأجمعوا على أن عليه: رد ما غله. فإن تفرق الجيش، وتعذر إيصال حق كل واحد إليه، ففيه خلاف للعلماء;

                                                                                                                              قال الشافعي، وطائفة: يجب تسليمه إلى الإمام، أو الحاكم. كسائر الأموال الضائعة.

                                                                                                                              وقال ابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية، والحسن، والزهري، والأوزاعي، ومالك، والثوري، والليث، وأحمد، والجمهور: يدفع خمسه إلى الإمام، ويتصدق بالباقي.

                                                                                                                              واختلفوا في صفة عقوبة الغال;

                                                                                                                              فقال جمهور العلماء، وأئمة الأمصار: يعزر على حسب ما يراه الإمام. ولا يحرق متاعه. وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، ومن لا يحصى من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم.

                                                                                                                              [ ص: 305 ] وقال مكحول، والحسن، والأوزاعي : يحرق رحله ومتاعه كله. قال الأوزاعي : إلا سلاحه، وثيابه التي عليه. وقال الحسن : إلا الحيوان، والمصحف.

                                                                                                                              واحتجوا بحديث " ابن عمر " في تحريق رحله. قال الجمهور: وهذا حديث ضعيف; لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم، وهو ضعيف. قال الطحاوي : ولو صح، يحمل على أنه كان إذا كانت العقوبة بالأموال: كأخذ شطر المال من مانع الزكاة، وضالة الإبل، وسارق التمر. وكل ذلك منسوخ. انتهى كلام النووي .

                                                                                                                              وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن للغال: أن يعيد ما غل قبل القسمة.




                                                                                                                              الخدمات العلمية