الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            أقسام الحيوان وحكم كل قسم

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وما سوى ذلك مما فيه منفعة في حياته بيع [ ص: 381 ] وحل ثمنه وقيمته ، وإن لم يكن يؤكل ، من ذلك : الفهد يعلم للصيد ، والبازي ، والشاهين ، والصقر من الجوارح المعلمة ، ومثل الهر ، والحمار الإنسي ، والبغل وغير ذلك مما فيه منفعة حيا ، وكل ما لا منفعة فيه من وحش ، مثل الحدأة ، والرخمة ، والبغاثة ، والفأرة ، والجرذان ، والوزغان ، والخنافس ، وما أشبه ذلك فأرى - والله أعلم - أن لا يجوز شراؤه ، ولا بيعه ، ولا قيمة على من قتله : لأنه لا معنى للمنفعة فيه حيا ولا مذبوحا ، فثمنه كأكل المال بالباطل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . وجملة الحيوان ضربان : آدمي وغير آدمي ، فالآدمي ضربان : حر ومملوك ، فالحر لا يجوز بيعه وإن جازت إجازته .

                                                                                                                                            والمملوك ضربان : مسلم وغير مسلم ، فإن لم يكن مسلما جاز بيعه من مسلم ومشرك صغيرا كان العبد أو كبيرا .

                                                                                                                                            وقال أحمد بن حنبل : لا يجوز بيع من لم يحكم بإسلامه من المماليك الصغار على المشركين ويباعون على المسلمين : لأنهم في العرف يثبتون على دين سادتهم فيشركون إن كان السيد مشركا ومسلمون إن كان السيد مسلما .

                                                                                                                                            وهذا الذي قاله ليس بصحيح : لأن من أجرى عليه حكم الشرك فإسلامه مظنون . وقد يجوز أن يسلم إن كان سيده مشركا وبيع على الشرك .

                                                                                                                                            وإن كان سيده مسلما فلم يكن ما اعتبره صحيحا إلا أن يذهب إليه من طريق الأولى فيصح . وأما المسلم فلا يجوز بيعه إلا على مسلم : لأن الإسلام لعلوه لا تعلوه يد مشرك .

                                                                                                                                            فإن بيع العبد المسلم على مشرك ففي البيع قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : باطل . وبه قال في " الإملاء " لقوله تعالى : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] .

                                                                                                                                            ولأن كل عقد منع الكافر من استدامته كحرمة الإسلام منع من ابتدائه كالنكاح .

                                                                                                                                            ولأن المقصود بعقد البيع أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما القربة بما يحصل من العتق كابتياع الولد وهو لا يعتق عليه ، أو حصول الربح بطلب الفضل وهو لا يقدر عليه فيحصل له الربح ، وإذا زال عن مقصود البيع من هذين الوجهين جرى مجرى بيع ما لا منفعة فيه فكان باطلا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : قاله في عامة كتبه وهو قول أبي حنيفة : إن البيع صحيح : لعموم قوله تعالى : وأحل الله البيع [ البقرة : 275 ] .

                                                                                                                                            ولأن كل من صح أن يشتري كافرا صح أن يشتري مسلما كالمسلم .

                                                                                                                                            ولأن الكفر لا يمنع من ملك المسلم كما لو كان كافرا فأسلم .

                                                                                                                                            [ ص: 382 ] ولأن عقد البيع يملك به كالإرث ، فلما جاز أن يرث الكافر عبدا مسلما جاز أن يشتري عبدا مسلما . فعلى هذا لا يجوز أن يقر على ملكه ، وإن صح البيع . ويؤخذ بإزالة ملكه عنه ببيع أو هبة أو عتق . فإن دبره لم يجز إقراره ، وإن كاتبه فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقر على ذلك لما فيه من استدامة ملكه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يقر على الكتابة لينظر ما يكون في حاله : لأن الكتابة تفضي إلى عتقه وزوال رقه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية