الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 30 ] ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن قوله : ( الذين يؤمنون بالغيب ) عام يتناول كل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، سواء كان قبل ذلك مؤمنا بموسى وعيسى عليهما السلام ، أو ما كان مؤمنا بهما ، ودلالة اللفظ العام على بعض ما دخل فيه التخصيص أضعف من دلالة اللفظ الخاص على ذلك البعض ، لأن العام يحتمل التخصيص ، والخاص لا يحتمله ، فلما كانت هذه السورة مدنية ، وقد شرف الله تعالى المسلمين بقوله : ( هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ) فذكر بعد ذلك أهل الكتاب الذين آمنوا بالرسول : كعبد الله بن سلام وأمثاله بقوله : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ) لأن في هذا التخصيص بالذكر مزيد تشريف لهم كما في قوله تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] ثم تخصيص عبد الله بن سلام وأمثاله بهذا التشريف ترغيب لأمثاله في الدين ، فهذا هو السبب في ذكر هذا الخاص بعد ذلك العام ، ثم نقول : أما قوله : ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            ( المسألة الأولى ) : لا نزاع بين أصحابنا وبين المعتزلة في أن الإيمان إذا عدي بالباء فالمراد منه التصديق ، فإذا قلنا : فلان آمن بكذا ، فالمراد أنه صدق به ، ولا يكون المراد أنه صام وصلى ، فالمراد بالإيمان ههنا التصديق بالاتفاق ، لكن لا بد معه من المعرفة ؛ لأن الإيمان ههنا خرج مخرج المدح ، والمصدق مع الشك لا يأمن أن يكون كاذبا ، فهو إلى الذم أقرب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية