الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              القول في دلالة أفعال النبي عليه السلام ، وسكوته ، واستبشاره ، وفيه فصول

              الفصل الأول : في دلالة الفعل

              ونقدم عليه مقدمة في عصمة الأنبياء ، فنقول : لما ثبت ببرهان العقل صدق الأنبياء ، وتصديق الله تعالى إياهم بالمعجزات ، فكل ما يناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل ، ويناقض مدلول المعجزة جواز الكفر ، والجهل بالله تعالى ، وكتمان رسالة الله ، والكذب ، والخطإ ، والغلط فيما يبلغ ، والتقصير في التبليغ ، والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه . أما ما يرجع إلى مفارقة الذنب فيما يخصه ، ولا يتعلق بالرسالة فلا يدل على عصمتهم عنه ، عندنا دليل العقل بل دليل التوقيف ، والإجماع قد دل على عصمتهم عن الكبائر ، وعصمتهم أيضا عما يصغر أقدارهم من القاذورات كالزنا ، والسرقة ، واللواط ، أما الصغائر فقد أنكرها جماعة ، وقالوا : الذنوب كلها كبائر فأوجبوا عصمتهم عنها .

              ، والصحيح أن من الذنوب صغائر ، وهي التي تكفرها الصلوات الخمس واجتناب الكبائر ، كما ورد في الخبر ، وكما قررنا حقيقته في كتاب التوبة من كتاب " إحياء علوم الدين " . فإن قيل : لم لم تثبت عصمتهم بدليل العقل ؟ ; لأنهم لو لم يعصموا لنفرت قلوب الخلق عنهم . قلنا : لا يجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفر فقد كانت الحرب سجالا بينه ، وبين الكفار ، وكان ذلك ينفر قلوب قوم عن الإيمان ، ولم يعصم عنه ، وإن ارتاب المبطلون مع أنه حفظ عن الخط ، والكتابة كي لا يرتاب المبطلون ، وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ ، كما قال تعالى : { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر } ، وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا : كان يقدر على كشف الغطاء لو كان نبيا لخلص الخلق من كلمات الجهل ، والخلاف كما قال تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ، وهذا لأن نفي المنفرات ليس بشرط دلالة المعجزة . هذا حكم الذنوب أما النسيان ، والسهو فلا خلاف في جوازه عليهم فيما يخصهم من العبادات ، ولا خلاف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع ، والرسالة فإنهم كلفوا تصديقه جزما ، ولا يمكن التصديق مع تجويز الغلط .

              وقد قال قوم : يجوز عليه الغلط فيما شرعه بالاجتهاد لكن لا يقر عليه هذا على مذهب من يقول المصيب واحد من المجتهدين ، أما من قال : كل مجتهد مصيب فلا يتصور الخطأ عنده في اجتهاد غيره فكيف في اجتهاده .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية