الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر المعراج برسول الله - صلى الله عليه وسلم

اختلف الناس في وقت المعراج ، فقيل : كان قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل بسنة واحدة .

[ ص: 651 ] واختلفوا في الموضع الذي أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه ، فقيل : كان نائما بالمسجد في الحجر ، فأسري به منه ، وقيل : كان نائما في بيت أم هانئ بنت أبي طالب ، وقائل هذا يقول : الحرم كله مسجد .

وقد روى حديث المعراج جماعة من الصحابة بأسانيد صحيحة .

قالوا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أتاني جبرائيل وميكائيل فقالا : بأيهم أمرنا ؟ فقالا : أمرنا بسيدهم ، ثم ذهبا ، ثم جاءا من القابلة وهم ثلاثة ، فألفوه وهو نائم ، فقلبوه لظهره وشقوا بطنه ، وجاءوا بماء زمزم فغسلوا ما كان في بطنه من غل وغيره ، وجاءوا بطست مملوء إيمانا وحكمة ، فملئ قلبه وبطنه إيمانا وحكمة . قال : وأخرجني جبرائيل من المسجد وإذا أنا بدابة ، وهي البراق ، وهي فوق الحمار ودون البغل ، يقوع خطوه عند منتهى طرفه ، فقال : اركب ، فلما وضعت يدي عليه تشامس واستصعب . فقال جبرائيل : يا براق ما ركبك نبي أكرم على الله من محمد ، فانصب عرقا وانخفض لي حتى ركبته ، وسار بي جبرائيل نحو المسجد الأقصى ، فأتيت بإنائين أحدهما لبن والآخر خمر ، فقيل لي : اختر أحدهما ، فأخذت اللبن فشربته ، فقيل لي : أصبت الفطرة ، أما إنك لو شربت الخمر لغوت أمتك بعدك .

ثم سرنا فقال لي : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذه طيبة وإليها المهاجر .

ثم سرنا فقال لي : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذا طور سيناء حيث كلم الله موسى ، ثم سرنا فقال : انزل فصل ، فنزلت فصليت ، فقال : هذا بيت لحم حيث ولد عيسى . ثم سرنا حتى أتينا بيت المقدس ، فلما انتهينا إلى باب المسجد أنزلني جبرائيل وربط البراق بالحلقة التي كان يربط بها الأنبياء . فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء حوالي ، وقيل : بأرواح الأنبياء الذين بعثهم الله قبلي ، فسلموا علي ، فقلت : يا جبرائيل من هؤلاء ؟ قال : إخوانك من الأنبياء ، زعمت قريش أن لله شريكا ، وزعمت النصارى أن لله ولدا ، سل هؤلاء النبيين هل كان لله - عز وجل - شريك أو ولد ، فذلك قوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) فأقروا [ ص: 652 ] بالوحدانية لله - عز وجل - ثم جمعهم جبرائيل وقدمني فصليت بهم ركعتين

ثم انطلق بي جبرائيل إلى الصخرة فصعد بي عليها ، فإذا معراج إلى السماء ، لا ينظر الناظرون إلى شيء أحسن منه ومنه تعرج الملائكة ، أصله في صخرة بيت المقدس ورأسه ملتصق بالسماء ، فاحتملني جبرائيل ووضعني على جناحه وصعد بي إلى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ! ففتح ، فدخلنا فإذا أنا برجل تام الخلقة عن يمينه باب يخرج منه ريح طيبة وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة ، فإذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك ، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى . فقلت : من هذا ؟ وما هذان البابان ؟ فقال : هذا أبوك آدم ، والباب الذي عن يمينه باب الجنة ، فإذا نظر إلى من يدخلها من ذريته ضحك ، والباب الذي عن يساره باب جهنم ، إذا نظر إلى من يدخلها من ذريته بكى وحزن .

ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قال : حياه الله ، مرحبا به ونعم المجيء جاء ! ففتح لنا . فدخلنا فإذا بشابين ، فقلت : يا جبرائيل من هذان ؟ فقال : هذان عيسى بن مريم ويحيى بن زكرياء .

ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به نعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل قد فضل الناس بالحسن . قلت : من هذا يا جبرائيل ؟ قال : هذا أخوك يوسف .

ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل ، فقلت : من هذا ؟ قال : إدريس رفعه الله مكانا عليا .

ثم صعد بي إلى السماء الخامسة ، فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا رجل جالس وحوله قوم يقص عليهم . قلت : من هذا ؟ قال : هذا هارون والذين حوله بنو إسرائيل .

ثم صعد بي إلى السماء السادسة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا أنا برجل جالس فجاوزناه ، فبكى الرجل ، فقلت : يا جبرائيل من هذا ؟ قال : هذا موسى . قلت : فما باله يبكي ؟ قال : يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله من آدم ، وهذا الرجل من بني آدم قد خلفني وراءه .

[ ص: 653 ] قال : ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبرائيل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ونعم المجيء جاء ! فدخلنا ، فإذا رجل أشمط جالس على كرسي على باب الجنة ، وحوله قوم بيض الوجوه أمثال القراطيس ، وقوم في ألوانهم شيء . فقام الذين في ألوانهم شيء فاغتسلوا في نهر ، وخرجوا وقد صارت وجوههم مثل وجوه أصحابهم . فقلت : من هذا ؟ قال : أبوك إبراهيم ، وهؤلاء البيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، وأما الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، فتابوا فتاب الله عليهم ، وإذا إبراهيم مستند إلى بيت ، فقال : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة لا يعودون إليه .

قال : وأخذني جبرائيل فانتهينا إلى سدرة المنتهى ، وإذا نبقها مثل قلال هجر ، يخرج من أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ، ونهران ظاهران ، فأما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات ، قال : وغشيها من نور الله ما غشيها ، وغشيها الملائكة كأنهم جراد من ذهب من خشية الله ، وتحولت حتى ما يستطيع أحد أن ينعتها ، وقام جبرائيل في وسطها ، فقال جبرائيل : تقدم يا محمد . فتقدمت وجبرائيل معي إلى الحجاب ، فأخذ بي ملك وتخلف عني جبرائيل ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) وهذا منتهى الخلائق .

فلم أزل كذلك حتى وصلت إلى العرش ، فاتضح كل شيء عند العرش ، وكل لساني من هيبة الرحمن ، ثم أنطق الله لساني فقلت : التحيات المباركات والصلوات الطيبات لله ، وفرض الله علي وعلى أمتي في كل يوم وليلة خمسين صلاة . ورجعت إلى جبرائيل فأخذ بيدي وأدخلني الجنة فرأيت القصور من الدر والياقوت والزبرجد ، ورأيت نهرا يخرج من أصله ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ، يجري على رضراض من الدر والياقوت والمسك ، فقال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ، ثم عرض علي النار ، فنظرت إلى أغلالها وسلاسلها وحياتها وعقاربها وما فيها من العذاب .

ثم أخرجني ، فانحدرنا حتى أتينا موسى ، فقال : ماذا فرض عليك وعلى أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة . قال : فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك وعالجتهم أشد المعالجة [ ص: 654 ] على أقل من هذا فلم يفعلوا ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجعت إلى ربي وسألته ، فخفف عني عشرا . فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع واسأله التخفيف . فرجعت فخفف عني عشرا ، فلم أزل بين ربي وموسى حتى جعلها خمسا ، فقال : ارجع فاسأله التخفيف ، فقلت : إني قد استحييت من ربي وما أنا براجع ، فنوديت : إني قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة ، والخمس بخمسين ، وقد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي .

ثم انحدرت أنا وجبرائيل إلى مضجعي ، وكان ذلك في ليلة واحدة .

فلما رجع إلى مكة علم أن الناس لا يصدقونه ، فقعد في المسجد مغموما ، فمر به أبو جهل ، فقال له كالمستهزئ : هل استفدت الليلة شيئا ؟ قال : نعم ، أسري بي الليلة إلى بيت المقدس . قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ فقال : نعم . فخاف أن يخبر بذلك عنه فيجحده النبي ، فقال : أتخبر قومك بذلك ؟ فقال : نعم . فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، فأقبلوا . فحدثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمن بين مصدق ومكذب ، ومصفق وواضع يده على رأسه . وارتد الناس ممن كان آمن به وصدقه .

وسعى رجال من المشركين إلى أبي بكر فقالوا : إن صاحبك يزعم كذا وكذا ! فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فسمي أبو بكر الصديق من يومئذ .

قالوا : فانعت لنا المسجد الأقصى . قال : فذهبت أنعت حتى التبس علي ، قال : فجيء بالمسجد . وإني أنظر إليه ، فجعلت أنعته . قالوا : فأخبرنا عن عيرنا . قال : قد مررت على عير بني فلان بالروحاء ، وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه ، فأخذت قدحا فيه ماء فشربته ، فسلوهم عن ذلك ، ومررت بعير بني فلان وفلان ، فرأيت راكبا وقعودا بذي مر ، فنفر بكرهما مني فسقط فلان فانكسرت يده ، فسلوهما . قال : ومررت بعيركم بالتنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم من طلوع الشمس .

فخرجوا إلى الثنية فجلسوا ينظرون طلوع الشمس ليكذبوه إذ قال قائل : هذه الشمس قد طلعت . فقال آخر : والله هذه العير قد طلعت يقدمها بعير أورق كما قال . فلم يفلحوا وقالوا : إن هذا سحر مبين
.

التالي السابق


الخدمات العلمية