الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              . المسألة الثانية قوله تعالى : { وذكر اسم ربه فصلى } . [ إذا قلنا : إنه ] الذكر الثاني باللسان المخبر عن ذكر القلب المعبر عنه بأنه مشروع في الصلاة مفتتح به في أولها باتفاق من الأئمة ; لكنهم اختلفوا في تعيينه ; فمنهم من قال : إنه كل ذكر حتى لو قال : " سبحان الله " بدل التكبير أجزأه ، بل لو قال بدل ( الله أكبر ) : بزرك خداي لأجزأه ، منهم أبو حنيفة .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو يوسف : يجزئه " الله الكبير " والله أكبر ، والله الأكبر .

                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : يجزئه الله أكبر والله الأكبر . [ وقال مالك : لا يجزئه إلا قوله : ] الله أكبر .

                                                                                                                                                                                                              فأما تعلق أبي حنيفة في الذكر بالعجمية بقوله تعالى : { إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى } فيأتي ذكر وجه التقصي عنه في الآية التي بعد هذه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              وأما قوله : إنه الذكر مطلقا بقوله العام : { وذكر اسم ربه فصلى } فهذا العام قد عينه قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله ; أما قوله فهو في الحديث المشهور : { تحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم } . وأما الفعل فإنه كان يقول في صلاته كلها : الله أكبر . [ ص: 330 ] وأما التعلق للشافعي بقوله : إن زيادة الألف واللام فيه لا تغير بناءه ولا معناه .

                                                                                                                                                                                                              فالجواب أن التعبد إذا وقع بقول أو فعل لم يجز أن يعبر عما شرع فيه بما لا يغير ; لأنها شرعة في الشريعة ، واعتبار من غير اضطرار ; وذلك لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                              وجواب ثان ; وذلك أن الألف واللام تدخل للجنس وللعهد ، وكلاهما ممنوع هاهنا ، أما الجنس فإن البارئ تعالى لا جنس له . وأما العهد فلأن التعبير بالكبرية عن الله تعالى وصف ، فلا معنى للزيادة فيه حيث لا تتصور الزيادة . وإذا بطل مذهب الشافعي فمذهب أبي يوسف أبطل .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : قوله : { وذكر اسم ربه فصلى } عموم في كل ذكر ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر في الصلاة تخصيص لبعض ذلك العموم ، فيحمل على الاستحباب ، وإنما كان يحمل على الوجوب لو كان بيانا لمجمل واحد . وهذا سؤال قوي لأصحاب أبي حنيفة ، وقد تقصينا عنه في مسائل الخلاف ، ونعول الآن هنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلوا كما رأيتموني أصلي } . وهو إنما كان يكبر ولا يتعرض لكل ذكر ، فتعين التكبير بأمره باتباعه في صلاته ، فهو المبين لذلك كله .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية