الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون

                                                                                                                                                                                                                                      لو كان فيهما آلهة إلا الله إبطال لتعدد الإله بإقامة البرهان على انتفائه بل على استحالته ، وإيراد الجمع لوروده إثر إنكار اتخاذ الآلهة ، لا لأن للجمعية مدخلا في الاستدلال ، وكذا فرض كونها فيهما . و"إلا" بمعنى "غير" على أنها صفة لآلهة ، ولا مساغ للاستثناء لاستحالة شمول ما قبلها لما بعدها وإفضائه إلى فساد المعنى لدلالته حينئذ على أن الفساد لكونها فيهما بدونه تعالى ، ولا للرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب ، أي : لو كان في السماوات والأرض آلهة غير الله كما هو اعتقادهم الباطل لفسدتا أي : لبطلتا بما فيهما جميعا ، وحيث انتفى التالي علم انتفاء المقدم قطعا بيان الملازمة أن الإلهية مستلزمة للقدرة على الاستبداد بالتصرف فيهما على الإطلاق تغييرا وتبديلا وإيجادا وإعداما وإحياء وإماتة ، فبقاؤهما على ما هما عليه إما بتأثير كل منها وهو محال لاستحالة وقوع المعلول المعين بعلل متعددة ، وإما بتأثير واحد منها ، فالبواقي بمعزل من الإلهية قطعا . واعلم أن جعل التالي فسادهما بعد وجودهما لما أنه اعتبر في المقدم تعدد الآلهة فيهما ، وإلا فالبرهان يقضي باستحالة التعدد على الإطلاق فإنه لو تعدد الإله فإن توافق الكل في المراد تطاردت عليه القدر ، وإن تخالفت [ ص: 62 ] تعاوقت فلا يوجد موجود أصلا وحيث انتفى التالي تعين انتفاء المقدم . والفاء في قوله تعالى : فسبحان الله لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان ، أي : فسبحوه سبحانه اللائق به ونزهوه عما لا يليق به من الأمور التي من جملتها أن يكون له شريك في الألوهية ، وإيراد الجلالة في موضع الإضمار للإشعار بعلة الحكم ، فإن الألوهية مناط لجميع صفات كماله التي من جملتها تنـزهه تعالى عما لا يليق به ولتربية المهابة وإدخال الروعة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : رب العرش صفة للاسم الجليل مؤكدة لتنـزهه عز وجل . عما يصفون متعلق بالتسبيح ، أي : فسبحوه عما يصفونه من أن يكون من دونه آلهة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية