الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  حكم الرياء :

                                                                  اعلم أن الرياء إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات ، فأما المراءاة بما ليس من العبادات فقد تكون مباحة كتسوية العمامة والشعر وتحسين الثوب لئلا تزدريه أعين الناس واحترازا من ألم المذمة وطلبا لراحة الأنس بالإخوان ، وقد تكون طاعة كما إذا كان متبوعا وعمله المذكور يرغب في اتباعه واستمالة القلوب إليه، وقد تكون مذمومة كما إذا حملت على ما لا يجوز ، أو دعت إلى أمور محظورات ، وبالجملة فحكمها تابع للغرض المطلوب بها . وأما العبادات كالصدقة والصلاة والصيام والغزو والحج فالمرائي فيها يبطل عباداته ويعصي ويأثم ، والمعني فيه أمران :

                                                                  أحدهما : يتعلق بالعباد ، وهو التلبيس والمكر ; لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله وأنه من أهل الدين وليس كذلك .

                                                                  الثاني : يتعلق بالله ، وهو أنه مهما قصد بعبادة الله تعالى خلق الله فهو مستهزئ بالله كما ورد ، ومثاله أن يتمثل بين يدي ملك من الملوك طول النهار كما جرت عادة الخدم . وإنما وقوفه لملاحظة جارية من جواريه أو غلام من غلمانه ، فإن هذا استهزاء بالملك إذ لم يقصد التقرب إليه بخدمته ، بل قصد بذلك عبدا من عبيده ، فأي استحقار يزيد على أن يقصد العبد بطاعة الله تعالى مراءاة عبد ضعيف لا يملك له ضرا ، ولا نفعا ؟ وهل ذلك إلا لأنه يظن أن ذلك العبد أقدر على تحصيل أغراضه من الله ، وأنه أولى بالتقرب إليه من الله إذ آثره على ملك الملوك فجعله مقصود عبادته ، وأي استهزاء يزيد على رفع العبد فوق المولى ؟ فهذا من كبائر المهلكات ولذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشرك الأصغر " ولو لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد ويركع لغير الله لكان فيه كفاية ، فإنه وإن لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله ، وعن هذا كان شركا خفيا ، وذلك غاية الجهل ، ولا يقدم عليه إلا من خدعه الشيطان وأوهم عنده أن العباد يملكون من مصالح حاله أكثر مما يملكه الله تعالى ، مع أن العباد كلهم عاجزون عن أنفسهم لا يملكون لها ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون لغيرهم ؟ هذا في الدنيا فكيف في يوم : ( لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان : 33 ] . بل تقول الأنبياء فيه : " نفسي نفسي " فكيف يستبدل الجاهل عن ثواب الآخرة ما يرتقبه بطمعه الكاذب في الدنيا من الناس ؟ فلا ينبغي أن نشك في أن المرائي بطاعة الله في سخط الله تعالى .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية