الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج وكيع ، وابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عباس قال : إنما سمي عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام : هذا موضع كذا وهذا موضع كذا ، فيقول : قد عرفت قد عرفت فلذلك سميت عرفات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال : إنما سميت عرفات لأنه [ ص: 401 ] قيل لإبراهيم حين أري المناسك عرفت

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير عن علي ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، وابن مردويه والبيهقي في « سننه » عن المسور بن مخرمة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد - وكان إذا خطب قال « أما بعد » - فإن هذا اليوم الحج الأكبر ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هاهنا قبل أن تغيب الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها وإنا ندفع بعد أن تغيب الشمس وكانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفا هدينا لهدي أهل الشرك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أفاض من عرفات قبل الصبح فقد تم حجه ومن فاته فقد فاته الحج » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري عن ابن عباس قال : يطوف الرجل بالبيت ما كان حلالا حتى يهل بالحج فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هديه من الإبل أو البقر أو [ ص: 402 ] الغنم ما تيسر له من ذلك أي ذلك شاء غير إن لم يتيسر له فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وذلك قبل يوم عرفة فإن كان آخر يوم من أيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه ثم لينطلق حتى يقف بعرفات من صلاة العصر إلى أن يكون الظلام ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذي يبيتون به ثم ليذكروا الله كثيرا وأكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون وقال الله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم حتى ترموا الجمرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الأزرقي عن ابن عباس قال : حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى أجبال عرفة إلى وصيق إلى ملتقى وصيق ووادي عرفة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود ، وابن ماجه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « كل عرفة موقف وكل منى منحر وكل المزدلفة موقف وكل فجاج مكة طريق ومنحر » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم ، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف » . [ ص: 403 ] وأخرج أحمد عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل عرفات موقف وارفعوا عن عرنة وكل جمع موقف وارفعوا عن محسر وكل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود والترمذي واللفظ له وصححه ، وابن ماجه ، عن علي ، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال : « هذه عرفة وهو الموقف وعرفة كلها موقف » ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف أسامة بن زيد وجعل يشير بيده على هينته والناس يضربون يمينا وشمالا يلتفت إليهم ويقول : « يا أيها الناس عليكم السكينة » ، ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين جميعا فلما أصبح أتى قزح ووقف عليه وقال : « هذا قزح وهو الموقف وجمع كلها موقف » ثم أفاض حتى انتهى إلى وادي محسر فقرع ناقته فخبت حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر فقال : « هذا المنحر ومنى كلها منحر » . [ ص: 404 ] وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي ، وابن ماجه والحاكم وصححه عن يزيد بن شيبان قال : أتانا ابن مربع الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال : إني رسول رسول الله إليكم ، يقول : « كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وعليه السكينة ورديفه أسامة فقال : « يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل » . قال : فما رأيتها رافعة يديها عادية حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل بن العباس فقال : « أيها الناس إن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل فعليكم بالسكينة » . قال : فما رأيتها رافعة يديها حتى أتى منى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري عن ابن عباس أنه دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال : « يا أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإيضاع » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال : إنما كان بدء الإيضاع من أهل البادية كانوا يقفون حافتي الناس قد علقوا القعاب والعصي فإذا أفاضوا [ ص: 405 ] تقعقعوا فأنفرت الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ظفرى ناقته لا يمس الأرض حاركها وهو يقول : « يا أيها الناس عليكم بالسكينة » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه عن أسامة بن زيد أنه سئل كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين أفاض من عرفة؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفات قال : كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس فأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حتى انتهى إلى المزدلفة [ ص: 406 ] وأخرج الطبراني في « الأوسط » عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفات وهو يقول : «

                                                                                                                                                                                                                                      إليك تعدو قلقا وضينها مخالفا دين النصارى دينها

                                                                                                                                                                                                                                      » .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي في « الأم » وعبد الرزاق في « المصنف » وسعيد بن منصور عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب حين دفع من عرفة قال :

                                                                                                                                                                                                                                      إليك تعدو قلقا وضينها     مخالفا دين النصارى دينها .



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي بكر قال : رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وأبا سلمة بن سفيان واقفين على طرف بطن عرنة فوقفت معهما فلما دفع الإمام دفعا وقالا ،

                                                                                                                                                                                                                                      إليك تعدو قلقا وضينها     مخالفا دين النصارى دينها

                                                                                                                                                                                                                                      يكثران من ذلك وزعم أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يذكر أن رسول [ ص: 407 ] الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها إذا دفع .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس أن أسامة بن زيد كان ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى فكلاهما قال : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم عن أسامة بن زيد أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفة فلما جاء الشعب أناخ راحلته ثم ذهب إلى الغائط فلما رجع صببت عليه من الإداوة فتوضأ ثم ركب ثم أتى المزدلفة فجمع بها بين المغرب والعشاء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية