الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون .

                                                                                                                                                                                                                                      أصل الذنوب في لغة العرب الدلو ، وعادة العرب أنهم يقتسمون ماء الآبار والقلب بالدلو ، فيأخذ هذا منه ملء دلو ، ويأخذ الآخر كذلك ، ومن هنا أطلقوا اسم الذنوب التي هي الدلو على النصيب . قال الراجز في اقتسامهم الماء بالدلو :


                                                                                                                                                                                                                                      لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب

                                                                                                                                                                                                                                      ويروى :

                                                                                                                                                                                                                                      إنا إذا شاربنا شريب     له ذنوب ولنا ذنوب


                                                                                                                                                                                                                                      فإن أبى كان لنا القليب

                                                                                                                                                                                                                                      ومن إطلاق الذنوب على مطلق النصيب قول علقمة بن عبدة التميمي ، وقيل عبيد :


                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل حي قد خبطت بنعمة     فحق لشأس من نداك ذنوب

                                                                                                                                                                                                                                      وقول أبي ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                                                      لعمرك والمنايا طارقات     لكل بني أب منها ذنوب

                                                                                                                                                                                                                                      فالذنوب في البيتين النصيب ، ومعنى الآية الكريمة : فإن للذين ظلموا بتكذيب [ ص: 450 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - ذنوبا ، أي نصيبا من عذاب الله مثل ذنوب أصحابهم من الأمم الماضية من العذاب لما كذبوا رسلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا المعنى الذي تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحا في آيات كثيرة من كتاب الله كقوله تعالى : قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين [ 39 \ 50 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : فلا يستعجلون قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى : ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات [ 13 \ 6 ] ، وفي سورة مريم في الكلام على قوله : فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا [ 19 \ 84 ] ، وغير ذلك من المواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية