الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 451 ] بسم الله الرحمن الرحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      سورة الطور .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الأقسام التي أقسم الله بها تعالى في أول هذه السورة الكريمة أقسم ببعضها بخصوصه ، وأقسم بجميعها في آية عامة لها ولغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      أما الذي أقسم منها إقساما خاصا فهو الطور ، والكتاب المسطور ، والسقف المرفوع ، والأظهر أن الطور الجبل الذي كلم الله عليه موسى ، وقد أقسم الله تعالى بالطور في قوله : والتين والزيتون وطور سينين [ 95 \ 21 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والأظهر أن الكتاب المسطور هو القرآن العظيم ، وقد أكثر الله من الإقسام به في كتابه كقوله تعالى : حم والكتاب المبين [ 43 \ 1 - 2 ] ، [ 44 \ 1 - 2 ] ، وقوله تعالى : يس والقرآن الحكيم [ 36 \ 1 - 2 ] ، وقيل : هو كتاب الأعمال ، وقيل : غير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      والسقف المرفوع : هو السماء ، وقد أقسم الله بها في كتابه في آيات متعددة كقوله : والسماء ذات الحبك [ 51 \ 7 ] ، وقوله : والسماء ذات البروج [ 85 \ 1 ] ، وقوله تعالى : والسماء وما بناها [ 91 \ 5 ] ، والرق بفتح الراء كل ما يكتب فيه من صحيفة وغيرها ، وقيل هو الجلد المرقق ليكتب فيه ، وقوله : منشور أي مبسوط ، ومنه قوله : كتابا يلقاه منشورا [ 17 \ 13 ] ، وقوله : بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة [ 74 \ 52 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والبيت المعمور : هو البيت المعروف في السماء المسمى بالضراح بضم الضاد ، وقيل فيه معمور ، لكثرة ما يغشاه من الملائكة المتعبدين ، فقد جاء الحديث : " أنه يزوره كل يوم سبعون ألف ملك ، ولا يعودون إليه بعدها " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 452 ] وقوله : والبحر المسجور فيه وجهان من التفسير للعلماء . أحدهما أن المسجور هو الموقد نارا ، قالوا : وسيضطرم البحر يوم القيامة نارا ، من هذا المعنى قوله تعالى : ثم في النار يسجرون [ 40 \ 72 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : هو أن المسجور بمعنى المملوء ، لأنه مملوء ماء ، ومن إطلاق المسجور على المملوء قول لبيد بن ربيعة في معلقته :


                                                                                                                                                                                                                                      فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها

                                                                                                                                                                                                                                      فقوله : مسجورة أي عينا مملوءة ماء ، وقول النمر بن تولب العكلي :


                                                                                                                                                                                                                                      إذا شاء طالع مسجورة     ترى حولها النبع والساسما

                                                                                                                                                                                                                                      وهذان الوجهان المذكوران في معنى المسجور هما أيضا في قوله : وإذا البحار سجرت [ 81 \ 6 ] ، وأما الآية العامة التي أقسم فيها تعالى بما يشمل جميع هذه الأقسام وغيرها ، فهي قوله تعالى : فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون [ 69 \ 38 - 39 ] ، لأن الإقسام في هذه الآية عام في كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : إن عذاب ربك لواقع ، قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول الذاريات ، وفي غير ذلك من المواضع .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية