الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3098 ) مسألة ; قال ( وبيع عسب الفحل غير جائز ) . عسب الفحل ضرابه . وبيعه أخذ عوضه وتسمى الأجرة عسب الفحل مجازا . وإجارة الفحل للضراب حرام ، والعقد فاسد . وبه قال أبو حنيفة والشافعي وحكي عن مالك جوازه قال ابن عقيل ويحتمل عندي الجواز ; لأنه عقد على منافع الفحل ونزوه ، وهذه منفعة مقصودة ، والماء تابع ، والغالب حصوله عقيب نزوه ، فيكون كالعقد على الظئر ; ليحصل اللبن في بطن الصبي .

                                                                                                                                            ولنا ما روى ابن عمر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع عسب الفحل } رواه البخاري وعن جابر قال { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل } رواه مسلم ولأنه مما لا يقدر على تسليمه ، فأشبه إجارة الآبق . ولأن ذلك متعلق باختيار الفحل وشهوته . ولأن المقصود هو الماء ، وهو مما لا يجوز إفراده بالعقد ، وهو مجهول . وإجارة الظئر خولف فيه الأصل لمصلحة بقاء الآدمي ، فلا يقاس عليه ما ليس مثله . فعلى هذا إذا أعطى أجرة لعسب الفحل ، فهو حرام على الآخذ لما ذكرناه .

                                                                                                                                            ولا يحرم على المعطي لأنه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه ، ولا تمتنع هذا كما في كسب الحجام ، فإنه خبيث ، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الذي حجمه . وكذلك أجرة الكسح والصحابة أباحوا شراء المصاحف ، وكرهوا بيعها . وإن أعطى صاحب الفحل هدية ، أو أكرمه من غير إجارة ، جاز . وبه قال الشافعي ; لما روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { إذا كان إكراما فلا بأس } ولأنه سبب مباح ، فجاز أخذ الهدية عليه ، كالحجامة .

                                                                                                                                            وقال أحمد في رواية ابن القاسم لا يأخذ . فقيل له : ألا يكون مثل الحجام يعطى ، وإن كان منهيا عنه ؟ فقال : لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى في مثل هذا شيئا كما بلغنا في الحجام . ووجهه أن ما منع أخذ الأجرة عليه منع قبول الهدية ، كمهر البغي ، وحلوان الكاهن . قال القاضي : هذا مقتضى النظر ، لكن ترك مقتضاه في الحجام ، فيبقى فيما عداه على مقتضى القياس . والذي ذكرناه أرفق بالناس ، وأوفق للقياس ، وكلام أحمد يحمل على الورع ، لا على التحريم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية