الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 180 ] فصل إذا شك في الرضاع ، أو عدده بنى على اليقين ، وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها . وعنه : أنها إن كانت مرضية استحلفت ، فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها ، وذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما ، وإذا تزوج امرأة ، ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح ، فإن صدقته فلا مهر ، وإن كذبته فلها نصف المهر ، وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر بكل حال . وإن كانت هي التي قالت : هو أخي من الرضاع ، وأكذبها فهي زوجته في الحكم ، ولو قال الزوج : هي ابنتي من الرضاع ، وهي في سنه ، أو أكبر منه لم تحرم لتحققنا كذبه ، ولو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ، ولم يزد لبنها فهو للأول ، وإن زاد لبنها فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما ، وإن انقطع لبن الأول ، ثم ثاب بحملها من الثاني ، فكذلك عند أبي بكر ، وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( إذا شك في الرضاع ، أو عدده بنى على اليقين ) لأن الأصل عدمه ، والأصل عدم وجود الرضاع المحرم ( وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها ) هذا المذهب ، وهو قول طاوس ، والزهري ، والأوزاعي لما روى عقبة بن الحارث ، قال : تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء ، فقالت : قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : وكيف ، وقد زعمت ذلك فنهاه عنها ، وفي رواية : دعها عنك رواه البخاري ، وقال الزهري : فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة واحدة ، ولأن هذه شهادة على عورة فتقبل فيه شهادة النساء منفردات كالولادة ; ولأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات ، فتقبل فيه شهادة امرأة ، يؤيده ما روى محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز في الرضاع من الشهود ، فقال : رجل ، أو امرأة رواه أحمد ، وقال البيهقي : فهذا إسناد ضعيف ، وقد اختلف في متنه ، وظاهره أنها إذا لم تكن مرضية أنه لا يقبل قولها ، وهو كذلك ،وتقبل شهادة المرضعة على فعل نفسها للخبر ، والمتبرعة وغيرها سواء ، قيل : مع اليمين ، قاله ابن حمدان ، ولأنه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود ، ولا يدفع عنها ضررا ، لا يقال : إنها تستبيح الخلوة والسفر معه ، وتصير محرما له ; لأن هذا ليس من الأمور المقصودة التي ترد بها الشهادة ، ألا ترى لو أن رجلين شهدا أن فلانا طلق [ ص: 181 ] زوجته وأعتق أمته قبلت شهادتهما ، وإن حل لهما نكاحها بذلك ( وعنه : أنها إن كانت مرضية استحلفت ) مع شهادتها ( فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها ) أي : يصيبها فيهما برص عقوبة على شهادتها الكاذبة ( وذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما ) فالظاهر أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف ; لأن هذا لا يقتضيه القياس ، ولا يهتدي إليه رأي ، وعنه لا تقبل إلا شهادة امرأتين ، وهو قول الحكم ; لأن الرجال أكمل من النساء .

                                                                                                                          تنبيه : قال ابن حمدان : يقبل فيه قول أم المنكر وبنته ، لا المدعي إلا أن يبتدئا حسبة ، ولا يقبل في الإقرار به شهادة النساء فقط حتى أم المرضعة ، وقال ابن حمدان : إن الظئر إذا قالت : أشهد أني أرضعتكما لم يقبل ، وإن قالت : أشهد أنهما ارتضعا مني قبل ( وإذا تزوج امرأة ، ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح ) وحرمت عليه ; لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه كما لو أقر بالطلاق ، ثم رجع ، أو أقر أن أمته أخته من النسب ، ولو ادعى خطأ ، وهذا في الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى ، فإن علم أن الأمر كذلك فهي محرمة عليه ، وإن علم كذب نفسه ، فالنكاح باق بحاله ( فإن صدقته ، فلا مهر ) لأنهما اتفقا على أنه نكاح باطل من أصله ، لا يستحق فيه مهرا كما لو ثبت ببينة ( وإن كذبته ) قبل قولها ; لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها ، وتحريمها عليه حق له ، فقبل ( فلها نصف المهر ) لأنها فرقة قبل الدخول ( وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر بكل حال ) [ ص: 182 ] لأنه استقر بالدخول ، وهذا ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم ، وقيل : إن صدقته سقط ، قال في " الفروع " : ولعل مراده المسمى فيجب مهر المثل ، لكن قال في " الروضة " : لا مهر لها عليه ، وقال ابن حمدان : بل يجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم ( وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع وأكذبها ) ولا بينة وحلف ، قاله في " الرعاية " ( فهي زوجته في الحكم ) لأنه لا يقبل قولها في فسخ النكاح ; لأنه حق عليه ، ولا مهر لها إن طلقها قبل الدخول ; لأنها تقر بأنها لا تستحقه ، وإن كانت قبضته لم يطلبه الزوج ; لأنه يقر بأنه حق لها ، وإن كان بعد الدخول وجب ، قدمه في " الرعاية " ، وفي " الشرح " ، و " الفروع " إن كانت عالمة بأنها أخته وبتحريمها عليه ، وطاوعته في الوطء ، فلا مهر لإقرارها بأنها زانية مطاوعة ، وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر ; لأنه وطء شبهة ، وهي زوجته حكما ; لأن قولها غير مقبول عليه .



                                                                                                                          تنبيه : إذا علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها تمكينه وتفتدي نفسها بما أمكنها وينبغي أن يكون الواجب أقل الأمرين من المسمى ، أو مهر المثل ، فإن كان إقرارها بأخوته قبل النكاح ‌لم يجز لها نكاحه ، ولا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم ، وكذلك الرجل لو أقر أنها أخته من الرضاع ، أو محرمة عليه بغيره وأمكن صدقه لم يحل له تزويجها بعد ذلك في ظاهر الحكم ، أما فيما بينه وبين الله فينبني على علمه بحقيقة الحال ، ويحلف مدعي الرضاع على البت ، ومنكره على نفي العلم به ، وإذا ادعت أمة أخوة سيدها بعد وطء لم يقبل ، وإن كان قبله فوجهان .



                                                                                                                          ( ولو قال الزوج : هي ابنتي من الرضاع [ ص: 183 ] وهي في سنه ، أو أكبر منه لم تحرم ) وجزم به الأصحاب ( لتحققنا كذبه ) كما لو قال : أرضعتني وإياها حواء ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يلحظ أن الزوج لو قال ذلك ، وهي في سن لا يولد مثلها لمثله ، وإن كان أصغر كان كما لو قال ذلك ، وهي في سنه لتحقق ما ذكر .



                                                                                                                          فرع : إذا ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهد بذلك أمه ، أو ابنته لم يقبل ; لأنها شهادة الوالد لولده ، وإن شهدت أمها ، أو ابنتها قبلت ، وعنه لا ، بناء على شهادة الوالد على ولده ، والولد على والده ، وإن ادعت ذلك المرأة وأنكرها الزوج فشهدت لها أمها ، أو ابنتها لم يقبل ، وإن شهدت لها أم الزوج ، أو ابنته قبل في أصح الوجهين ، قاله في " الشرح " .



                                                                                                                          ( ولو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ، ولم يزد لبنها ) أو زاد قبل أوانه ( فهو للأول ) لأن اللبن إذا بقي بحاله لم يزد ، ولم ينقص ، ولم تلد من الثاني فهو للأول ; لأن اللبن كان له ، والأصل بقاؤه ، وعلم منه أنها إذا لم تحمل من الثاني أنه للأول مطلقا ، وأنها إذا ولدت من الثاني فاللبن له خاصة إجماعا ( وإن زاد لبنها ) في أوانه ( فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما ) في قول أصحابنا كما لو كان الولد منهما ; لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنه منه وبقاء لبن الأول يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف إليهما ( وإن انقطع لبن الأول ، ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر ) أي : هو ابن لهما ، اختاره أكثر أصحابنا ، وقدمه في " الفروع " كما لو لم ينقطع ( وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده ) [ ص: 184 ] قال الحلواني : وهو الأحسن ; لأن لبن الأول انقطع ، فزال حكمه بانقطاعه ، وحدث بالحمل من الثاني ، فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الأول ، وإن لم يزد ، ولم ينقص حتى ولدت ، فهو لهما . نص عليه ، وذكر المؤلف أنه للثاني كما لو زاد .



                                                                                                                          فائدة : كره أحمد الارتضاع بلبن فاجرة ومشركة لقول عمر بن الخطاب وابنه ، وكذا حمقاء وسيئة الخلق لقوله - عليه السلام - لا تزوجوا الحمقاء ، فإن صحبتها بلاء ، وفي ولدها ضياع ، ولا تسترضعوها ، فإن لبنها يغير الطباع وفي " المجرد " : وبهيمة ; لأنه يكون فيه بلد البهيمة ، وفي " الترغيب " : وعمياء ، وفي " المستوعب " : وزنجية .




                                                                                                                          الخدمات العلمية