الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3104 ) مسألة ; قال : ( فإن باع حاضر لباد ، فالبيع باطل ) وهو أن يخرج الحضري إلى البادي ، وقد جلب السلعة ، فيعرفه السعر ، ويقول : أنا أبيع لك . فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : { دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } والبادي هاهنا ، من يدخل البلدة من غير أهلها ، سواء كان بدويا ، أو من قرية ، أو بلدة أخرى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الحاضر أن يبيع له ، قال ابن عباس { نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تتلقى الركبان ، وأن يبيع حاضر لباد ، قال فقلت لابن عباس ما قوله حاضر لباد ؟ قال : لا يكون له سمسارا } متفق عليه ، وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض } رواه مسلم وابن عمر وأبو هريرة ، وأنس والمعنى في ذلك ، أنه متى ترك البدوي يبيع سلعته ، اشتراها الناس برخص ، ويوسع عليهم السعر ، فإذا تولى الحاضر بيعها ، وامتنع من بيعها ، إلا بسعر البلد . ضاق على أهل البلد .

                                                                                                                                            وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في تعليله إلى هذا المعنى . وممن كره بيع الحاضر للبادي طلحة بن عبيد الله ، وابن عمر وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز ومالك والليث والشافعي ونقل أبو إسحاق بن شاقلا في جملة سماعاته ، أن الحسن بن علي المصري سأل أحمد عن بيع حاضر لباد ، فقال : لا بأس به . فقال له : فالخبر الذي جاء بالنهي . قال : كان ذلك مرة . فظاهر هذا صحة البيع ، وأن النهي اختص بأول الإسلام ; لما كان عليهم من الضيق في ذلك .

                                                                                                                                            وهذا قول مجاهد وأبي حنيفة ، وأصحابه . والمذهب الأول لعموم النهي ، وما يثبت في حقهم يثبت في حقنا ، ما لم يقم على اختصاصهم به دليل . وظاهر كلام الخرقي أنه يحرم بثلاثة شروط ; [ ص: 151 ] أحدها ، أن يكون الحاضر قصد البادي ; ليتولى البيع له . والثاني ، أن يكون البادي جاهلا بالسعر ; لقوله : " فيعرفه السعر " ، ولا يكون التعريف ، إلا لجاهل ، وقد قال أحمد ، في رواية أبي طالب : إذا كان البادي عارفا بالسعر ، لم يحرم . والثالث ، أن يكون قد جلب السلع للبيع ; لقوله : " وقد جلب السلع " . والجالب هو الذي يأتي بالسلع ليبيعها .

                                                                                                                                            وذكر القاضي شرطين آخرين ; أحدهما ، أن يكون مريدا لبيعها بسعر يومها . والثاني ، أن يكون بالناس حاجة إلى متاعه ، وضيق في تأخير بيعه . وقال أصحاب الشافعي إنما يحرم بشروط أربعة ; وهي ما ذكرنا إلا حاجة الناس إلى متاعه ، فمتى اختل منها شرط ، لم يحرم البيع ، وإن اجتمعت هذه الشروط ، فالبيع حرام ، وقد صرح الخرقي ببطلانه . ونص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد قال : سألت أحمد عن الرجل الحضري يبيع للبدوي ؟ فقال : أكره ذلك ، وأرد البيع في ذلك .

                                                                                                                                            وعن أحمد رواية أخرى ، أن البيع صحيح . وهو مذهب الشافعي ; لكون النهي لمعنى في غير المنهي عنه . ولنا أنه منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية