الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 386 ] فصل

البينة

بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد على مطلق الملك ، وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ، وذو اليد على ملك أسبق منه تأريخا فذو اليد أولى ، ولو أقاما البينة على النتاج أو على نسج ثوب لا يتكرر نسجه فبينة ذي اليد أولى ، وإن أقام كل واحد البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ لهما تهاترتا ، إن ادعيا نكاح امرأة ، أقاما البينة لم يقض لواحد منهما ، وإن وقتا فهي للأول ، وإن ادعيا عينا ليد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنها له قضي بها بينهما ، وإن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد ، وأقام البينة فإن شاء كل واحد منهما أخذ نصف العبد وإن شاء ترك ، فإن ترك أحدهما فليس للآخر أخذ جميعه ، وإن وقتا فهو للأول ، وإن وقت أحدهما أو كان معه قبض فهو أولى ، وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا أو صدقة وقبضا ولا تاريخ لهما فالشراء أولى ، وإن ادعى الشراء وادعت أنه تزوجها عليه فهما سواء ، وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ ، أو على الشراء من واحد أو من اثنين فأولهما أولى ، وإن أرخ أحدهما فهو له ، وإن تنازعا في دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل فهو أولى ( ف ) وكذلك إن كان راكبا في السرج والآخر رديفه أو لابس القميص والآخر متعلق به ، وبينة النتاج والنسج أولى من بينة مطلق الملك ، والبينة بشاهدين وثلاثة ( ف ) وأكثر سواء .

التالي السابق


فصل

( بينة الخارج أولى من بينة ذي اليد على مطلق الملك ) لأنها أكثر إثباتا لأنها تثبت الملك [ ص: 387 ] للخارج وبينة ذي اليد لا ؛ لأن الملك ثابت له باليد ، وإذا كانت أكثر إثباتا كانت أقوى .

قال : ( وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ ، وذو اليد على ملك أسبق منه تأريخا فذو اليد أولى ) لأن بينته تثبت الملك له وقت التأريخ ، والخارج لا يدعيه في ذلك الوقت ، وإذا ثبت الملك له ذلك الوقت فلا يثبت بعد ذلك وغيره إلا بالتلقي منه ؛ إذ الأصل في الثابت دوامه ، وكذا لو كانت في أيديهما وأقاما البينة على ما ذكرنا .

( ولو أقاما البينة على النتاج أو على نسج ثوب لا يتكرر نسجه فبينة ذي اليد أولى ) لأن ما قامت عليه بينة لا تدل عليه اليد فتعارضتا فترجحت بينة ذي اليد باليد ، وكذا كل سبب لا يتكرر كغزل القطن وعمل الجبن واللبد وجز الصوف وحلب اللبن ؛ لأنه في معنى النتاج ، وإن كان يتكرر كالبناء وزرع الحبوب ونسج الخز ونحوه فبينة الخارج أولى كما في الملك المطلق ، وإن أشكل قضى للخارج ، وإن تنازعا في دابة وأقاما البينة على النتاج وأرخا سن الدابة فهو أولى ، وإن أشكل فهي بينهما لعدم الأولوية ، وإن خالف سن الدابة التأريخين تهاترتا وتركت في يد من كانت في يده .

قال : ( وإن أقام كل واحد البينة على الشراء من الآخر ولا تأريخ لهما تهاترتا ) قال محمد : يقضي للخارج لأنه أمكن العمل بالبينتين بأن باعه الخارج وقبض ثم باعه ذو اليد ولم يقبض ، ولا ينعكس لعدم جواز البيع قبل القبض وإن كان عقارا عنده ، والعمل بالبينتين واجب ما أمكن ؛ لأن البينة من الدلائل الشرعية ، وإن ذكرت البينتان القبض عمل بهما ويكون لذي اليد ، ويجعل كأنه باع من الخارج وقبضها الخارج ، ثم باعها من ذي اليد وقبضها ذو اليد عملا بالبينتين .

ولهما أن شراء كل واحد من الآخر اعتراف بكون الملك له ، فكأن البينتين قامتا على الاعترافين وإنه موجب للتهاتر ؛ لأنه لا يتصور أن يكون كل واحد بائعا ومشتريا في حالة واحدة ، ولا دلالة على السبق ولا ترجيح فيتعذر القضاء أصلا ، ثم هذا شيء بناه على أصله ، فإن عندهما يجوز بيع العقار قبل القبض ، فجاز أن يكون الخارج اشتراه أولا ثم باعه قبل القبض لذي اليد فيكون لذي اليد ، ومع الاحتمال لا يثبت الملك وإن وقتا ، فإن كان الخارج أولا قضى بهما ويكون لذي اليد ، وإن كان ذو اليد أولا قضى بهما أيضا والملك للخارج بالإجماع .

[ ص: 388 ] قال : ( وإن ادعيا نكاح امرأة وأقاما البينة لم يقض لواحد منهما ) لتعذر الاشتراك في النكاح ويرجع إلى تصديقها ، فمن صدقته كان زوجها ، لأن النكاح يثبت بتصادق الزوجين .

( وإن وقتا فهي للأول ) منهما لأنه ثبت في وقت لا منازع له فيه فترجحت على الثانية .

قال : ( وإن ادعيا عينا في يد ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنها له قضى بها بينهما ) لاستوائهما في السبب .

( وإن ادعى كل واحد منهما الشراء من صاحب اليد وأقام البينة ، فإن شاء كل واحد منهما أخذ نصف العبد ) بنصف الثمن لاستوائهما في السبب .

( وإن شاء ترك ) لوجود العيب بالشركة .

( فإن ترك أحدهما فليس للآخر أخذ جميعه ) لأن بيع الكل انفسخ بقضاء القاضي بالنصف حتى لو فعل ذلك قبل القضاء جاز ؛ لأنه لم ينفسخ بيعه في الكل .

( وإن وقتا فهو للأول ) لما بينا .

( وإن وقت أحدهما أو كان معه قبض فهو أولى ) أما الوقت فلأنه ثبت ملكه فيه ووقع الشك في ملك الآخر فيه فلا يثبت بالشك ، وأما القبض فلأنهما استويا في الإثبات فلا تنقض اليد الثانية بالشك ، ولأن القبض دليل تقدم شرائه فكان أولى .

قال : ( وإن ادعى أحدهما شراء ، والآخر هبة وقبضا ، أو صدقة وقبضا ولا تاريخ لهما فالشراء أولى ) لأنه يثبت بنفسه ، والهبة والصدقة تفتقر إلى القبض فكان أسرع ثبوتا فكان أولى ، وإن ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا فالبيع أولى ؛ لأن البيع يثبت الملك حقيقة في الحال ، والرهن إنما يثبته عند الهلاك تقديرا ، وكذا الهبة بعوض أولى من الرهن لما بينا .

[ ص: 389 ] ( وإن ادعى الشراء وادعت أنه تزوجها عليه فهما سواء ) عند أبي يوسف ؛ لأنهما عقدا معاوضة يثبت الملك فيها بنفس العقد ، ثم ترجع على الزوج بنصف القيمة .

وقال محمد : الشراء أولى ، وعلى الزوج القيمة عملا بالبينتين بتقديم الشراء ؛ لأن التزويج على ملك الغير جائز ، ثم ترد القيمة عند تعذر التسليم .

قال : ( وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ ، أو على الشراء من واحد أو من اثنين ) غير ذي اليد . ( فأولهما أولى ، وإن أرخ أحدهما فهو له ) وقد مر .

قال : ( وإن تنازعا في دابة أحدهما راكبها أو له عليها حمل فهو أولى ) لأنه تصرف أظهر وأدل على الملك .

( وكذلك إن كان راكبا في السرج والآخر رديفه ، أو لابس القميص والآخر متعلق به ) لما ذكرنا ، ولو كانا راكبين في السرج فهي بينهما لاستوائهما .

سفينة فيها راكب ، والآخر متمسك بسكانها وآخر يجدف فيها ، وآخر يمدها ، فهي بينهم إلا المداد لا شيء له .

عبد لرجل موسر على عنقه بدرة فيها عشرة آلاف درهم في دار رجل معسر لا شيء له ، فادعيا البدرة ، قال محمد : هي للموسر بشهادة الظاهر .

وعن محمد : قطار إبل على البعير الأول راكب ، وعلى الوسط راكب ، وعلى آخرها راكب ، فادعى كل واحد منهم القطار ، فلكل واحد البعير الذي هو راكبه ؛ لأنه في يده وتصرفه ، وما بين الأول والأوسط للأول ؛ لأنه قائد والقيادة تصرف ، وما بين الأوسط والأخير بين الأول والأوسط نصفان ؛ لاستوائهما في التصرف ، وليس للأخير إلا ما ركبه .

( وبينة النتاج والنسج ) أولى من بينة مطلق الملك ؛ لأنها تثبت أولية الملك فلا تثبت لغيره إلا بالتلقي منه .

[ ص: 390 ] قال : ( والبينة بشاهدين وبثلاث وأكثر سواء ) لأن الشرع جعل الكل سواء في إثبات الحق وإلزام القاضي الحكم عند الانفراد فيستويان عند الاجتماع ، وكذا إذا كانت إحدى البينتين أعدل ، لأن الشرط أصل العدالة وقد استويا فيه ، ولا اعتبار بما زاد لأنه لا ضابط له .




الخدمات العلمية