الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ( 10 ) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ( 11 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولئن نحن بسطنا للإنسان في دنياه ، ورزقناه رخاء في عيشه ، ووسعنا عليه في رزقه ، وذلك هي النعم التي قال الله جل ثناؤه : ( ولئن أذقناه نعماء ) وقوله : ( بعد ضراء مسته ) ، يقول : بعد ضيق من العيش كان فيه ، وعسرة كان يعالجها ( ليقولن ذهب السيئات عني ) ، يقول ، تعالى ذكره : ليقولن عند ذلك : ذهب الضيق والعسرة عني ، وزالت الشدائد والمكاره ( إنه لفرح فخور ) ، يقول ، تعالى ذكره : إن الإنسان لفرح بالنعم [ ص: 257 ] التي يعطاها مسرور بها

( فخور ) ، يقول : ذو فخر بما نال من السعة في الدنيا ، وما بسط له فيها من العيش ، وينسى صروفها ، ونكد العوائص فيها ، ويدع طلب النعيم الذي يبقى ، والسرور الذي يدوم فلا يزول .

18005 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قوله : ( ذهب السيئات عني ) ، غرة بالله وجراءة عليه ( إنه لفرح ) ، والله لا يحب الفرحين ( فخور ) ، بعد ما أعطي ، وهو لا يشكر الله .

ثم استثنى جل ثناؤه من الإنسان الذي وصفه بهاتين الصفتين : " الذين صبروا وعملوا الصالحات " . وإنما جاز استثناؤهم منه لأن " الإنسان " بمعنى الجنس ومعنى الجمع . وهو كقوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) ، [ سورة العصر : 1 - 3 ] ،

فقال ، تعالى ذكره : ( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ) ، فإنهم إن تأتهم شدة من الدنيا وعسرة فيها ، لم يثنهم ذلك عن طاعة الله ، ولكنهم صبروا لأمره وقضائه . فإن نالوا فيها رخاء وسعة ، شكروه وأدوا حقوقه بما آتاهم منها . يقول الله : ( أولئك لهم مغفرة ) يغفرها لهم ، ولا يفضحهم بها في معادهم ( وأجر كبير ) ، يقول : ولهم من الله مع مغفرة ذنوبهم ، ثواب على أعمالهم الصالحة التي عملوها في دار الدنيا ، جزيل ، وجزاء عظيم .

18006 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج : ( إلا الذين صبروا ) ، عند البلاء ، ( وعملوا الصالحات ) ، عند النعمة [ ص: 258 ] ( أولئك لهم مغفرة ) ، لذنوبهم ( وأجر كبير ) ، قال : الجنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية