الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 612 ] دخول نائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر إلى دمشق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك صبيحة يوم السبت التاسع عشر من شعبان ، أقبل بجيشه من ناحية حلب ، وقد بات بوطأة برزة ليلة السبت ، وتلقاه الناس إلى حماة ودونها ، وجرت له وقعة مع العرب كما ذكرنا ، فلما كان هذا اليوم دخل في أبهة عظيمة ، وتجمل حافل ، فقبل العتبة على العادة ، ومشى إلى دار السعادة ، ثم أقبلت جنائبه في لبوس هائلة باهرة ، وعدد كثير ، وعدد ثمينة ، وفرح المسلمون به لشهامته ، وصرامته ، وأمره بالمعروف ، ونهيه عن المنكر ، والله تعالى يؤيده ويسدده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان خطبت الحنابلة بجامع القبيبات ، وعزل عنه القاضي شهاب الدين قاضي العسكر الحنفي بمرسوم نائب السلطان; لأنه كان يعرف أنه كان مختصا بالحنابلة منذ عين إلى هذا الحين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة السادس عشر منه قتل عثمان بن محمد المعروف بابن دبادب الدقاق - بالحديد على ما شهد عليه به جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب أنه كان يكثر من شتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرفع إلى الحاكم المالكي ، وادعي عليه ، فأظهر التجانن ، ثم استقر أمره على أن قتل ، قبحه الله وأبعده ، ولا رحمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي [ ص: 613 ] انحاز لابن معبد ، على ما صدر منه من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعواه أشياء كفرية ، وذكر أنه كان يكثر الصلاة والصيام ، ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين ، وفي حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربت عنقه أيضا في هذا اليوم في سوق الخيل ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ثالث عشر شوال خرج المحمل السلطاني ، وأميره الأمير ناصر الدين بن قراسنقر ، وقاضي الحجيج الشيخ شمس الدين محمد بن سند المحدث ، أحد المفتين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر شهر شوال أخذ رجل يقال له : حسن - كان خياطا بمحلة الشاغور ، ومن شأنه أن ينتصر لفرعون لعنه الله ، ويزعم أنه مات على الإسلام ، ويحتج بأنه في سورة " يونس " حين أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين [ يونس : 90 ] . ولا يفهم معنى قوله : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين [ يونس : 91 ] ، ولا معنى قوله : فأخذه الله نكال الآخرة والأولى [ النازعات : 25 ] ، ولا معنى قوله : فأخذناه أخذا وبيلا المزمل : 16 ] . إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على أن فرعون أكفر الكافرين ، كما هو مجمع عليه بين اليهود والنصارى والمسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم الجمعة سادس القعدة قدم البريد بطلب نائب السلطنة إلى [ ص: 614 ] الديار المصرية في تكريم وتعظيم - على عادة تنكز - فتوجه النائب إلى الديار المصرية ، وقد استصحب معه تحفا سنية ، وهدايا معظمة تصلح للإيوان الشريف ، في صبيحة السبت رابع عشره ، وخرج معه القضاة والأعيان من الحجبة والأمراء لتوديعه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أوائل ذي الحجة ورد كتاب من نائب السلطنة بخطه إلى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يستدعيه إلى القدس الشريف ، وزيارة قبر الخليل ، ويذكر فيه ما عامله به السلطان من الإحسان ، والإكرام ، والاحترام ، والإطلاق ، والإنعام; من الخيل ، والتحف ، والمال ، والغلات ، فتوجه نحوه قاضي القضاة يوم الجمعة بعد الصلاة رابعه على ستة من خيل البريد ، ومعه تحف ، وما يناسب من الهدايا ، وعاد عشية يوم الجمعة ثامن عشره إلى بستانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ووقع في هذا الشهر والذي قبله سيول كثيرة جدا في أماكن متعددة عندهم ، من ذلك ما شاهدنا آثاره في مدينة بعلبك ، أتلف شيئا كثيرا من الأشجار ، واخترق أماكن كثيرة متعددة عندهم ، وبقي آثار سيحه على أراض كثيرة ، ومن ذلك سيل وقع بأرض خيران ، أتلف شيئا كثيرا جدا ، وغرق فيه قاضي تلك الناحية ، ومعه بعض الأخيار ، كانوا وقوفا على أكمة فدهمهم أمر عظيم ، ولم يستطيعوا دفعه ولا منعه فهلكوا ، ومن ذلك سيل وقع بناحية جبة عسال فهلك به شيء كثير من الأشجار ، والأغنام ، والأعناب ، وغيرها ، ومن [ ص: 615 ] ذلك سيل بأرض حلب هلك به خلق كثير من التركمان ، وغيرهم ، رجالا ، ونساء ، وأطفالا ، وغنما ، وإبلا - قرأته من كتاب من شاهد ذلك عيانا ، وذكر أنه سقط عليهم برد ، وزنت الواحدة منه فبلغت زنتها سبعمائة درهم ، وفيه ما هو أكبر من ذلك وأصغر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية