الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 156 ] مسألة ; قال : ( ويبطل البيع إذا كان فيه شرطان ، ولا يبطله شرط واحد ) ثبت عن أحمد رحمه الله ، أنه قال : الشرط الواحد لا بأس به ، إنما نهي عن الشرطين في البيع ، ذهب أحمد إلى ما روى عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا تبع ما ليس عندك } أخرجه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : إن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع . فنفض يده ، وقال : الشرط الواحد لا بأس به في البيع ، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في البيع . وحديث جابر يدل على إباحة الشرط حين باعه جمله ، وشرط ظهره إلى المدينة . واختلف في تفسير الشرطين المنهي عنهما ، فروي عن أحمد ; أنهما شرطان صحيحان ، ليسا من مصلحة العقد .

                                                                                                                                            فحكى ابن المنذر عنه ، وعن إسحاق في من اشترى ثوبا ، واشترط على البائع خياطته وقصارته ، أو طعاما ، واشترط طحنه وحمله : إن اشترط أحد هذه الأشياء فالبيع جائز ، وإن اشترط شرطين ، فالبيع باطل . وكذلك فسر القاضي في " شرحه " الشرطين المبطلين بنحو من هذا التفسير . وروى الأثرم عن أحمد تفسير الشرطين ; أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد ، وأنه لا يطؤها . ففسره بشرطين فاسدين . وروى عنه إسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع ، أن يقول : إذا بعتكها فأنا أحق بها بالثمن ، وأن تخدمني سنة . وظاهر كلام أحمد أن الشرطين المنهي عنهما ما كان من هذا النحو .

                                                                                                                                            فأما إن شرط شرطين ، أو أكثر ، من مقتضى العقد ، أو مصلحته ، مثل أن يبيعه بشرط الخيار ، والتأجيل ، والرهن ، والضمين ، أو بشرط أن يسلم إليه المبيع أو الثمن . فهذا لا يؤثر في العقد وإن كثر . وقال القاضي في " المجرد " : ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط في العقد شرطين ، بطل ، سواء كانا صحيحين ، أو فاسدين ، لمصلحة العقد ، أو لغير مصلحته . أخذا من ظاهر الحديث ، وعملا بعمومه . ولم يفرق الشافعي وأصحاب الرأي بين الشرطين ، ورووا { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط } .

                                                                                                                                            ولأن الصحيح لا يؤثر في البيع وإن كثر ، والفاسد يؤثر فيه وإن اتحد . والحديث الذي رويناه يدل على الفرق . ولأن الغرر اليسير إذا احتمل في العقد ، لا يلزم منه احتمال الكثير . وحديثهم لم يصح وليس له أصل ، وقد أنكره أحمد ، ولا نعرفه مرويا في مسند ، ولا يعول عليه . وقول القاضي : إن النهي يبقي على عمومه في كل شرطين . بعيد أيضا ; فإن شرط ما يقتضيه العقد لا يؤثر فيه بغير خلاف ، وشرط ما هو من مصلحة العقد ، كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، وشرط صفة في المبيع ، كالكتابة ، والصناعة ، فيه مصلحة العقد ، فلا ينبغي أن يؤثر أيضا في بطلانه ، قلت أو كثرت . ولم يذكر أحمد في هذه المسألة شيئا من هذا القسم ، فالظاهر أنه غير مراد له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية