الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1331 1292 - مالك عن أبي الزناد ; أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : لا ربا إلا في ذهب أو فضة ، أو ما يكال أو يوزن بما يؤكل أو يشرب .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        28772 - قال أبو عمر : قال مالك - رحمه الله - : لم يكن أحد من التابعين أعلم بالبيوع من سعيد بن المسيب ، وإنما أخذ [ ص: 218 ] ربيعة العلم بها منه .

                                                                                                                        28773 - وروى هشام الدستوائي ، عن قتادة ، قال : ما رأيت أحدا من الفقهاء [ ص: 219 ] أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب .

                                                                                                                        28774 - قال أبو عمر : قد مضى كثير من معنى هذا الخبر .

                                                                                                                        28775 - وجملة مذاهب العلماء في ذلك أن الذهب والورق يدخلهما الربا في الجنس الواحد من وجهين على ما تقدم ذكرنا له ، وهما التفاضل والنسيئة ، فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ، وكذلك الورق بالورق .

                                                                                                                        28776 - فأما الجنسان بعضها ببعض كالذهب بالورق ، فجائز التفاضل فيهما بإجماع من العلماء ، ولا يجوز فيهما النسيئة بإجماع أيضا من العلماء .

                                                                                                                        [ ص: 220 ] 28777 - وأما ما يؤكل ويشرب فقد مضى القول في ذلك في باب بيع الفاكهة .

                                                                                                                        28778 - وأما ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب فإن مالكا قال : الأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب نحو العصفر والنوى والحنطة والكتم ، وما أشبه ذلك أنه لا بأس باثنين بواحد يدا بيد ، ولا يجوز اثنان بواحد إلى أجل .

                                                                                                                        ولا بأس برطلي حديد برطل حديد يدا بيد ، ولا يجوز بنسيئة ، وإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما ، فلا بأس به اثنان بواحد إلى أجل يجوز في ذلك النسيئة والتفاضل ، وإن كان الصنف منه بنسيئة الصنف الآخر ، وإن اختلفا في الاسم مثل الشبة والرصاص ، والآنك ، فإني أكره اثنين بواحد إلى أجل .

                                                                                                                        28779 - ولمالك في ( الموطأ ) أربعة أبواب في هذا المعنى سيتكرر القول فيها بأوضح وأبلغ ، إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        28780 - وأما الشافعي فلم يعد ما قاله سعيد بن المسيب في هذا الباب ، ولا ربا عنده في غير ما ذكره سعيد إلا ما ذكرنا عنه أنه ذهب إليه بمصر : من ضم ما [ ص: 221 ] لا يكال ولا يوزن من الطعام إلى ما يكال ويوزن ربا .

                                                                                                                        28781 - قال الشافعي : كل ما يخرج من المأكول والمشروب ، والذهب والفضة ، فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلا أو إلى أجل ، كان من صنف واحد ، أو من صنفين ، لا بأس عنده برطل حديد برطلي حديد ، وببعير ببعيرين إذا دفع العاجل ، ووصف الآجل .

                                                                                                                        28782 - وأما أبو حنيفة فقد تقدم عنه أيضا أن الكيل والوزن كل واحد منهما مما لا يؤكل ولا يشرب عنده يجري فيه الربا ، كما يجري في المأكول والمشروب .

                                                                                                                        28783 - وأما داود بن علي فلا ربا عنده إلا في النسيئة إلا الأشياء المنصوصة في الحديث ، وهي : الذهب ، والورق ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والبلح لا يجوز في الجنس الواحد منها عنده التفاضل دون النسيئة ، وما عداها من كل شيء يكال أو يوزن أو يؤكل أو يشرب ، أو لا يكال ولا يوزن ، ولا يؤكل ولا يشرب لا يدخله الربا بوجه من الوجوه ، وجائز بيع ذلك كله عنده ، كيف شاء المتبايعون ، على عموم قول الله عز وجل : وأحل الله البيع وحرم الربا [ البقرة : 275 ]ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا في حديث عمر بن الخطاب ، ويأتي ذكره في [ ص: 222 ] باب الصرف ، إن شاء الله تعالى ، وفي حديث عبادة ، وقد تقدم .

                                                                                                                        28784 - وأما الحيوان فاختلاف العلماء : هل يدخله الربا في بيع بعضه ببعض بنسيئة يدا بيد ، وسيأتي في بابه - إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        28785 - وقال سفيان الثوري : سلف ما يكال فيما يوزن ، وما يوزن فيما يكال ، وسلف الحنطة في القطن .

                                                                                                                        28786 - وقال الأوزاعي : لا يجوز بيع النحاس المكسور بإناء نحاس معمول ، وزيادة دراهم لا يجوز إلا وزنا بوزن .

                                                                                                                        28787 - وقال : لا بأس بإبريق رصاص بإبريق رصاص ; لأنه قد خرج عن الورق ، ولا بأس ببيع النحاس بالفلوس .

                                                                                                                        28788 - وقال الليث : تفسير الربا : أن كل ما ينتفع به الناس من كل صنف من الأصناف ، وإن كان من الحجارة أو التراب ، وكل واحد من صنف تلك الأصناف بمثليه من صنفه إلى أجل هو الربا ، أو واحد بمثله ، وزيادة شيء إلى أجل : ربا .

                                                                                                                        [ ص: 223 ] 28789 - قال أبو عمر : وهذا مذهب مالك وأصحابه ، وهو عندهم من باب سلف جر منفعة ، فإنه أقرضه واحدة بما أقرضه من ذلك للزيادة فيه من جنسه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية