الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          في الأرض في الماضين عبرة

                                                          قال الله (تعالى): أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [ ص: 4999 ] ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم

                                                          هذه الآيات الكريمة موضحة لما تضمنته الآيات السابقة؛ وهي شواهد حسية لما أخبر به العليم الحكيم؛ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور والفاء في قوله (تعالى): أفلم يسيروا لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ وهي تنبههم إلى السير؛ وهي مؤخرة عن تقديم؛ لأن الاستفهام له الصدارة؛ وتقدير الكلام: "فألم يسيروا في الأرض؟ "؛ وهذا حث لهم على السير للاعتبار بمن سبقوا؛ والاتعاظ بما نزل؛ فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها الفاء عاطفة ما بعدها على ما قبلها؛ والاستفهام حث على السير في الأرض للاتعاظ والاعتبار بمن مضوا؛ وهذا حث لهم على التعقل؛ والتدبر؛ فيترتب على السير أن يتدبروا بعقولهم؛ ويعملوها؛ للوصول إلى الحق؛ وألا يشركوا به شيئا؛ ويروا رسوم الديار التي عفت؛ وأهلكها الله بظلم أهلها؛ "أو آذان يسمعون بها "؛ وهذا حث لهم على تعرف أخبار الديار؛ ومن كانوا فيها؛ وما جرى منهم من ظلم؛ وما جرى عليهم من هلاك؛ وخراب أرضهم؛ وديارهم. [ ص: 5000 ] ولكنهم لم يعتبروا؛ ولم يتدبروا أمرهم؛ ولم يعيشوا حاضرهم على ماضي غيرهم; ولذا قال (تعالى): فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور هذا النص فيه إشارة إلى أنهم وإن كانوا ذوي أبصار تنظر وترى؛ ولكنها عميت عن الحق؛ ولم تنظره نظرة اعتبار واستبصار؛ فهم عميت قلوبهم عن الإدراك؛ وكانت غير مبصرة للحق؛ ولا نافذة إلى لبه ومعناه؛ وفي الكلام مجاز بالاستعارة؛ إذ شبه عدم إدراك عقولهم للحق؛ وعدم إذعان قلوبهم؛ بالعمى؛ بجامع عدم الإدراك في كل؛ وقوله: "التي في الصدور "؛ ترشيح للاستعارة؛ وإبعاد للأبصار عن أن يكون عماها هو المراد; لأنها في الوجوه دون القلوب؛ والضمير في "فإنها "؛ ضمير الحال والشأن؛ أي: الحال والشأن: لا تعمى الأبصار؛ وإن المشركين مع أن الرسوم والآثار تعلن ما نزل بالغابرين؛ يتحدونك فيستعجلون العذاب؛ فقال (تعالى) عنهم:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية