الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 200 ] فصل : وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه ، وهي ممن يوطأ مثلها ، أو يتعذر وطؤها لمرض ، أو حيض ، أو رتق ، أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج كبيرا ، أو صغيرا يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين ، والمجبوب ، والمريض ، وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسلمها ، ولا تسليمها إذا طلبها ، فإن بذلته ، والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله ، وإن منعت تسليم نفسها ، أو منعها أهلها ، فلا نفقة لها إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها ، وإن كان بعد الدخول ، فعلى وجهين . بخلاف الآجل ، وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة ، فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا ، فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده . وإذا نشزت المرأة ، أو سافرت بغير إذنه ، أو تطوعت بصوم ، أو حج ، أو أحرمت بحج منذور في الذمة ، فلا نفقة لها ، وإن بعثها في حاجة ، أو أحرمت بحجة الإسلام فلها النفقة ، وإن أحرمت بمنذور معين في وقته ، فعلى وجهين ، وإن سافرت لحاجتها بإذنه ، فلا نفقة لها ، ذكره الخرقي . ويحتمل أن لها النفقة . وإن اختلفا في نشوزها ، أو تسليم النفقة إليها ، فالقول قولها مع يمينها ، وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه ، وهي ممن يوطأ مثلها ) كذا أطلقه المؤلف تبعا للخرقي ، وأبى الخطاب ، وابن عقيل ، والشيرازي وأناط القاضي ذلك بابنة تسع في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وهو مقتضى نص أحمد في رواية صالح ، وعبد الله ، وسئل : متى يؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة ؛ فقال : إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع سنين ويمكن حمل الإطلاق على هذا لقول عائشة : إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة ، وظاهره أنها لا تجب النفقة عليه إلا بالتسليم ، أو بذلت له بذلا يلزمه قبوله في الأشهر ; لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع ، وذلك ممكن منه ، وعنه : تلزمه بالعقد مع عدم منع كمن يلزمه تسلمها لو بذلته ، وقيل : ولصغيرة ، وهو ظاهر الخرقي ، فعليها لو تشاكتا بعد العقد مدة لزمه ( أو يتعذر وطؤها لمرض ، أو حيض ، أو رتق ، أو نحوه ) ككونها نضوة الخلق لا يمكن وطؤها ( لزم زوجها نفقتها ) لما ذكرنا ، فإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط ; لأن الاستمتاع ممكن ، ولا تفريط من جهتها ، فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب نفقتها ، فلو ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها ، أو قروح به ، أريت امرأة ثقة ويعمل بقولها ، وإن ادعت عبالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما ; لأنه موضع حاجة ، ويجوز النظر للعورة للحاجة ، والشهادة ( سواء كان الزوج [ ص: 201 ] كبيرا ) إجماعا ( أو صغيرا ) هذا هو المشهور ; لأن الاستمتاع بها ممكن ، وإنما تعذر بسبب من جهة الزوج كما لو كان كبيرا فهرب ، ويجبر الولي على نفقتها من مال الصبي ; لأنها عليه ، والولي ينوب عنه في أداء الواجبات كالزكاة ، والثانية : لا تجب عليه مع صغره ; لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها ، فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة ، وجوابه : الفرق بينهما ، فإن الصغيرة لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ، ولم تبذل ذلك ، وكذلك إذا كان يتعذر عليه الوطء كالمريض ، والمجبوب ; لأن التمكين وجد من جهتها ، وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة ( يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين ، والمريض والمجبوب ) لما ذكرنا ( وإن كانت صغيرة ، لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ) في قول الأكثر ; لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع لأمر من جهتها ، قال في " الرعاية " : لم تجب كما لو تزوج من لا يطأ مثله بمن لا يوطأ مثلها في الأصح لعدم الموجب ( ولا ) يجب على الزوج ( تسلمها ، ولا تسليمها ) إليه ( إذا طلبها ) لأنه لا يمكنه استيفاء حقه منها ، ولأن وجوب التسليم إنما كان لضرورة تمكينه من تسليم الحقوق المتعلقة بالزوجية ، وهي منتفية هنا ، وظاهره أن الصغيرة التي يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها ، فإنه يلزمه نفقتها كالكبيرة ، وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها ، فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم ; لأن وليها يقوم مقامها ، وإن بذلت هي دور وليها ، فلا نفقة لها ; لأنه لا حكم لكلامها ، ذكره في " الشرح " ( فإن بذلته ، والزوج غائب لم يفرض لها ) لأنها بذلت في حال لا يمكنه التسليم فيه ( حتى يراسله [ ص: 202 ] الحاكم ) أي : يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه بذلك ( ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله ) لأن البذل قبل ذلك وجوده كعدمه ، فإذا سار إليها ، أو وكل في تسليمها وجبت النفقة حينئذ ، فإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها في أول الوقت الذي يمكنه الوصول إليها وتسلمها فيه ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ; لأن الزوج امتنع من تسلمها ، لإمكان ذلك وبذلها له ، فلزمه نفقتها كما لو كان حاضرا ( وإن منعت تسليم نفسها ، أو منعها أهلها ، فلا نفقة لها ) لأن البذل شرط لوجوب النفقة ، ولم يوجد ، وفي " الفروع " إذا بذلت التسليم فحال بينها وبينه أولياؤها فظاهر كلام جماعة لها النفقة ، وفي " الروضة " لا ، ذكره الخرقي ، قال : وفيه نظر ، وكذا إذا بذلت تسليما غير تام كتسليمها في منزل ، أو في بلد دون آخر ما لم يكن مشروطا في العقد ( إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك ) لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطء ، ثم لا تسلم صداقها ، فلا يمكنه الرجوع فيما استوفى منها ، بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ، ثم أعسر بثمنه ، فإنه يمكنه الرجوع فيه ( وتجب نفقتها ) لأنها فعلت ما لها أن تفعله ، فلو منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة ، والفرق بينهما أن امتناعها لقبض صداقها امتناع من جهة الزوج ، فهو يشبه تعذر الاستمتاع كصغر الزوج ، بخلاف الامتناع لمرضها ; لأنه امتناع من جهتها ، فهو يشبه تعذر الاستمتاع لصغرها ( وإن كان بعد الدخول ، فعلى وجهين ) أحدهما : لها النفقة كما قبل الدخول ، والأشهر أنه لا نفقة لها كما لو [ ص: 203 ] سلم المبيع ، ثم أراد منعه منه ( بخلاف الآجل ) أي : إذا منعت نفسها لقبض صداقها الآجل ، وظاهره أنه ليس لها أن تمنع نفسها حتى تقبض ذلك ; لأن قبضه غير مستحق ، فيكون منعها منعا للتسليم الموجب للنفقة ، ولا فرق فيه بين الدخول وعدمه ( وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة ) في وجوب النفقة على زوجها الحر ، ولو أبى للنص ، ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجبت نفقتها على زوجها كالحرة ، فإن كان مملوكا ، فالنفقة واجبة لزوجته إجماعا إذا بوأها بيتا ، ويلزم السيد ; لأنه أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها ، وعنه : في كسب العبد ; لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ، ولا رقبته ، ولا ذمة السيد ، ولا إسقاطها فتعلقت بكسبه ، فإن عدم ، أو تعذر ، فعلى سيده ، وقال في " الرعاية " : تجب في ذمته ، وقال القاضي : تتعلق برقبته ; لأن الوطء في النكاح كالجناية ، وجوابه : أنه دين أذن فيه السيد فلزمه كاستدانة وكيله ، والنفقة تجب من غير وطء كالرتقاء ، ونحوها ، وليس هو بجناية ، ولا قائم مقامها ( فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا ، فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده ) أي : يلزم الزوج نفقتها ليلا من العشاء وتوابعه من غطاء ووطاء ودهن للمصباح ، ونحوه ; لأنه وجد في حقه التمكين ليلا فوجبت نفقته ، وعلى السيد نفقتها نهارا بحكم أنها مملوكته ، فلم تجب على غيره في هذا الزمن ، وقيل : كل النفقة إذن عليهما نصفين قطعا للتنازع ، ولو سلمها نهارا فقط لم يجز .

                                                                                                                          تذنيب : المعتق بعضه عليه من النفقة بقدر ما فيه من الحرية ، وباقيها على سيده ، أو في ضريبته ، أو رقبته ، وما وجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن [ ص: 204 ] كان موسرا فنفقة الموسرين ، وإن كان معسرا فنفقة المعسرين ، والباقي تجب فيه نفقة المعسرين .



                                                                                                                          ( وإذا نشزت المرأة ) فلا نفقة لها في قول عامتهم ، ولو بنكاح في عدة ، قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ، ولا يصح ; لأن النفقة وجبت في مقابلة التمكين ، والمهر وجب بالعقد بدليل الموت ، وفي " الترغيب " : من مكنته من الوطء ، لا من بقية الاستمتاع فسقوط النفقة يحتمل وجهين ، فإن كان لها منه ولد دفع نفقته إليها إذا كانت هي الحاضنة والمرضعة ويلزمه تسليم أجرة رضاعها ويشطر لناشز ليلا فقط ، أو نهارا فقط ، لا بقدر الأزمنة ويشطر لها بعض يوم ، فإن أطاعت في حضوره ، أو غيبته فعلم ومضى زمن يقدم في مثله عادت ، وفي " الشرح " : لا تعود إلا بحضوره ، أو وكيله ، أو حكم حاكم بالوجوب ومجرد إسلام مرتدة ، أو متخلفة عن الإسلام في غيبته تلزمه ، فإن صامت لكفارة ، أو نذر ، أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما بلا إذنه ، أو حبست ، ولو ظلما في الأصح ، فلا نفقة لها ( أو سافرت بغير إذنه ) سقطت ; لأنها ناشز ، وكذا إن انتقلت من منزلها بغير إذنه ( أو تطوعت بصوم ، أو حج ، أو أحرمت بحج منذور في الذمة ، فلا نفقة لها ) لأنها في معنى المسافرة ، ولما فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج ، فإن أحرمت بإذنه ، فقال القاضي : لها النفقة ، والصحيح أنها كالمسافرة ; لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين ( وإن بعثها في حاجة ) فهي على نفقتها ; لأنها سافرت في شغله ومراده ( أو أحرمت بحجة الإسلام ) أو العمرة الواجبة ، أو [ ص: 205 ] أحرمت بفريضة ، أو مكتوبة في وقتها ( فلها النفقة ) لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع ، فكان كصيام رمضان ، فإن قدمت الإحرام على الميقات ، أو قبل الوقت خرج فيها من القول ما في المحرمة بحج التطوع .

                                                                                                                          فرع : إذا اعتقلت ، فالقياس أنه كسفرها ، فإن كان بغير إذنه ، فلا نفقة لها لخروجها من منزل زوجها فيما ليس واجبا بأصل الشرع وإن كان بإذنه فوجهان .

                                                                                                                          ( وإن أحرمت بمنذور معين في وقته ) أو صامت نذرا معينا في وقته ( فعلى وجهين ) أحدهما : لها النفقة ، ذكره القاضي ; لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها ، ولأن النذر المعين ، وقته متيقن ، أشبه حجة الإسلام ، والثاني : تسقط ; لأنها فوتت على زوجها حقه من الاستمتاع باختيارها ، ولأن النذر صدر من جهتها ، بخلاف حجة الإسلام ، فإنها واجبة بأصل الشرع ، وقيل : إن نذرت بإذنه ، أو قبل النكاح فلها النفقة ، وإن كان في نكاحه بلا إذنه ، فلا نفقة لها ; لأنها فوتت عليه حقا من الاستمتاع باختيارها ، ونقل أبو زرعة الدمشقي تصوم النذر بلا إذن ، وفي " الواضح " في حج نفل إن لم يملك منعها وتحليلها لم تسقط ، وإن في صلاة وصوم واعتكاف منذور في الذمة وجهين ، وفي بقائها في نزهة ، أو تجارة ، أو زيارة أهلها احتمال ( وإن سافرت لحاجتها بإذنه ، فلا نفقة لها ، ذكره الخرقي ) لأنها فوتت التمكين لأجل نفسها ، أشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون متمكنا من استمتاعها ، فلا تسقط ( ويحتمل أن لها النفقة ) لأن السفر بإذنه فسقط حقه من الاستمتاع وتبقى النفقة على ما كانت عليه كالثمن ، وحكى في " المغني " [ ص: 206 ] عن القاضي أن الزوج إن كان معها فنفقتها عليه ; لأنها في قبضته ، وإن كانت منفردة فلا ; لأنها فوتت التمكين عليه ، والصحيح أنه لا نفقة لها هنا بحال ( وإن اختلفا في نشوزها ، أو تسليم النفقة ) والكسوة ( إليها فالقول قولها مع يمينها ) لأن الأصل عدم ذلك ، وقال الآمدي : إن اختلفا في النشوز ، فإن وجب بالتمكين صدق ، وعليها إثباته ، وإن وجبت بالعقد صدقت وعليه إثبات المنع ، ولو اختلفا بعد التمكين لم يقبل قوله ، وفي " التبصرة " يقبل قوله قبل الدخول ، وقولها بعده ، واختار الشيخ تقي الدين في النفقة والكسوة قول من يشهد له العرف ; لأنه يعارض الأصل ، والظاهر والغالب أنها تكون راضية ، وإنما تطالبه عند الشقاق كما لو أصدقها تعليم شيء فادعت أن غيره علمها ، وأولى لأن هنا تعارض أصلين ( وإن اختلفا في بذل التسليم ، فالقول قوله مع يمينه ) لأنه منكر ، والأصل عدم التسليم ، وكذا لو اختلفا في وقته ، فقالت : كان من شهر ، قال : بل من يوم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية