الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي : أول من وضع الخط نفر من طيئ ، وهم صوار بن مرة ; ويقال مرار بن مرة ، وأسلم بن سدرة ، وعامر بن خدرة [ ص: 366 ] فساروا إلى مكة ، فتعلمه منهم شيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن الحارث ، وهشام بن المغيرة ، ثم أتوا الأنبار فتعلمه نفر منهم ، ثم أتوا الحيرة ، فعلموه جماعة ، منهم : سفيان بن مجاشع بن عبد الله بن دارم ، وولده ، يسمون بالكوفة بني الكاتب .

                                                                                                                                                                                                              قال ابن العربي : الكلبي متهم لا يؤثر نقله ، ولا يصح ما ذكره بلفظه من طريق يعول عليها أن الله علم الخط بالعربية ، ونقله الكافة فالكافة حتى انتهى إلى العرب عن غيرهم من الأمم ، فيمكن أن يقال : إن أول من نقل الخط إلى بلاد العرب فلان . وأما أن يقال : أول من وضع الخط فلان ، فالخط ليس بموضوع ، وإنما هو منقول ، وقد كان قبل طيئ بما لا يحصى من السنين عددا ، فأما وضعه فليس لأحد من خلق الله ولا ينبغي له .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن كعب أن أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والمسند ، وهو كتاب حمير ، كتبه آدم عليه السلام ووضعها في الطين وطبخها فلما أصاب الأرض الغرق ، وانجلى ، وخلق الله بعد ذلك من خلق وجدت كل أمة كتابها ، فأصاب إسماعيل كتاب العرب .

                                                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس أن أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل على لفظه ومنطقه كتابا واحدا ، مثل الأصول فتعرفه ولده من بعده وروي عن عروة : أول ما وضع أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ، وأسند إلى عمرو . وهذه كلها روايات ضعيفة ليس لها أصل يعتمد عليه فيها ، وأعجب من هذا أن القول في ذلك خوض فيما لا يعتمد ، ولا يتعلق عليه حكم ، ولا يتعلق به فائدة شرعية ، وإنما أشرنا إليه ليعلم الطالب ما جرى ، ويفهم من ذلك الأولى بالدين والأحرى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              وقد بينا أن إسماعيل إنما تعلم العربية من جرهم ، حسبما ثبت في الصحيح ، والله أعلم ، في الحديث الطويل لقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وذكره إلى قوله : { فكانت كذلك هاجر حتى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طرق كداء أو أهل بيت من طريق كداء ، أو أهل بيت من جرهم ، نزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عليهما فقالوا : إن هذا الطائر يدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريا أو جريين [ ص: 367 ] فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا . قال وأم إسماعيل عليه السلام عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ، و لكن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم . قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : قالت ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم ، فنزلوا معهم ، حتى إذا كانوا بها أهل أبيات منهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم } وساق الحديث .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية