الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 293 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( 25 ) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( 26 ) )

قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه : إني لكم ، أيها القوم ، نذير من الله ، أنذركم بأسه على كفركم به ، فآمنوا به وأطيعوا أمره .

ويعني بقوله : ( مبين ) ، يبين لكم عما أرسل به إليكم من أمر الله ونهيه .

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( إني ) .

فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين بكسر " إن " على وجه الابتداء إذ كان في " الإرسال " معنى القول .

وقرأ ذلك بعض قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة بفتح " أن " على إعمال الإرسال فيها ، كأن معنى الكلام عندهم : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن يقال إنهما قراءتان متفقتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ كان مصيبا للصواب في ذلك .

وقوله : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) فمن كسر الألف في قوله : ( إني ) جعل قوله : ( أرسلنا ) عاملا في " أن " التي في قوله : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) ، ويصير [ ص: 294 ] المعنى حينئذ : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، أن لا تعبدوا إلا الله ، وقل لهم : إني لكم نذير مبين ، ومن فتحها رد " أن " في قوله : ( أن لا تعبدوا ) عليها . فيكون المعنى حينئذ : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين ، بأن لا تعبدوا إلا الله .

ويعني بقوله : [ بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناس ] عبادة الآلهة والأوثان ، وإشراكها في عبادته ، وأفردوا الله بالتوحيد ، وأخلصوا له العبادة ، فإنه لا شريك له في خلقه .

وقوله : ( إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) ، يقول : إني أيها القوم ، إن لم تخصوا الله بالعبادة ، وتفردوه بالتوحيد ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه لمن عذب فيه .

وجعل " الأليم " من صفة " اليوم " وهو من صفة " العذاب " إذ كان العذاب فيه ، كما قيل : ( وجعل الليل سكنا ) ، [ سورة الأنعام : 96 ] ، وإنما " السكن " من صفة ما سكن فيه دون الليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية