الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            1099 - مناظرة ابن عباس مع الحرورية .

                                                                                            2703 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، من أصل كتابه ، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، ثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي ، ثنا عكرمة بن عمار العجلي ، ثنا أبو زميل سماك الحنفي ، ثنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار ، وهم ستة آلاف ، أتيت عليا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم . قال : إني أخاف عليك . قلت : كلا . قال ابن عباس : فخرجت إليهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن قال أبو زميل كان ابن عباس جميلا جهيرا . قال ابن عباس : فأتيتهم ، وهم مجتمعون في دارهم ، قائلون فسلمت عليهم فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس فما هذه الحلة ؟ قال : قلت : ما تعيبون علي ، لقد رأيت [ ص: 495 ] على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسن ما يكون من الحلل ، ونزلت : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قالوا : فما جاء بك ؟ قلت : أتيتكم من عند صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المهاجرين والأنصار ، لأبلغكم ما يقولون المخبرون بما يقولون فعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بالوحي منكم ، وفيهم أنزل : وليس فيكم منهم أحد . فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا ، فإن الله يقول : بل هم قوم خصمون قال ابن عباس : وأتيت قوما لم أر قوما قط أشد اجتهادا منهم مسهمة وجوههم من السهر ، كأن أيديهم وركبهم تثنى عليهم ، فمضى من حضر ، فقال بعضهم : لنكلمنه ولننظرن ما يقول . قلت : أخبروني ماذا نقمتم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وصهره والمهاجرين والأنصار ؟ قالوا : ثلاثا . قلت : ما هن ؟ قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وقال الله تعالى : إن الحكم إلا لله وما للرجال وما للحكم ؟ فقلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الأخرى فإنه قاتل ، ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كان الذي قاتل كفارا لقد حل سبيهم وغنيمتهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حل قتالهم . قلت : هذه اثنتان ، فما الثالثة ؟ قال : إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين . قلت : أعندكم سوى هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا . فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما يرد به قولكم أترضون ؟ قالوا : نعم . فقلت : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ، ونحوها من الصيد ، فقال : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم إلى قوله يحكم به ذوا عدل منكم فنشدتكم الله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل ، أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم ؟ ، وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال ، وفي المرأة وزوجها قال الله عز وجل : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فجعل الله حكم الرجال سنة مأمونة ، أخرجت عن هذه ؟ قالوا : نعم قال : وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أتسبون أمكم عائشة ثم يستحلون منها ما يستحل من غيرها ؟ فلئن فعلتم لقد كفرتم وهي أمكم ، ولئن قلتم : ليست أمنا لقد كفرتم فإن الله يقول : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها ، صرتم إلى ضلالة فنظر بعضهم إلى بعض ، قلت : أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم قال : وأما قولكم محا اسمه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأريكم قد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 496 ] لأمير المؤمنين : " اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله " فقال المشركون : لا والله ما نعلم إنك رسول الله لو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " اللهم إنك تعلم أني رسول الله ، اكتب يا علي : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله " فوالله لرسول الله خير من علي ، وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه قال عبد الله بن عباس : فرجع من القوم ألفان ، وقتل سائرهم على ضلالة " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية