الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خلافة المتوكل على الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله علي أبو عبد الله محمد بن المعتضد [ ص: 656 ] أبي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد ، رحم الله أسلافه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الأولى توجه الرسول من الديار المصرية ، ومعه سناجق خليفتية ، وسلطانية ، وتقاليد ، وخلع ، وتحف لصاحبي الموصل وسنجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما ، وولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين - حسب ما أخبرني بذلك - وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين ، وهذا أمر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الآخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الغسولة ، ومعه حجبته ، ونقباء النقباء ، وكاتب السر وذووه ، ومن عزمهم الإقامة مدة ، فقدم من الديار المصرية أمير على البريد ، فأسرعوا الأوبة ، فدخلوا في صبيحة الأحد الحادي والعشرين منه ، وأصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة ، وخلع على الأمير سيف الدين يلبغا الصالحي ، وجاء النص من الديار المصرية بخلعة دوادار ، عوضا عن سيف الدين كجكن ، وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مزي بتوقيع الدست ، وجهات أخر ، قدم بها من الديار [ ص: 657 ] المصرية ، فانتشر الخبر في هذا اليوم بإجلاس قاضي القضاة جمال الدين بن الكفري الحنفي ، فوق قاضي القضاة المالكية ، لكن لم يحضر في هذا اليوم ، وذلك بعد ما قد أمر بإجلاس المالكي فوقه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ثاني رجب توفي القاضي الإمام العالم شمس الدين بن مفلح المقدسي الحنبلي ، نائب مشيخة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي ، وزوج ابنته ، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث ، وكان بارعا فاضلا متفننا في علوم كثيرة ، ولا سيما علم الفروع ، كان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد ، وجمع مصنفات كثيرة; منها على كتاب " المقنع " نحوا من ثلاثين مجلدا ، كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين ، وعلق على محفوظه أحكام الشيخ مجد الدين ابن تيمية مجلدين ، وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات - رحمه الله . توفي عن نحو خمسين سنة ، وصلي عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفري ، ودفن بمقبرة الشيخ الموفق ، وكانت له جنازة حافلة حضرها القضاة كلهم ، وخلق من الأعيان ، رحمه الله وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل [ ص: 658 ] قبر عاتكة أساءوا الأدب على النائب ومماليكه ، بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم ، فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ، ويجعله زاوية للرقاصين ، فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه منبر ، وقد قدم شيخ من الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه إليه ، فأنفت أنفس أهل تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا ، وأعظموا ذلك ، فتكلم بعضهم بكلام سيئ فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم ، وضربهم بالمقارع بين يديه ، ونودي عليهم في البلد ، فأراد بعض العامة إنكارا لذلك ، وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي الذي يقرأ عليه المصحف ، رتبه أحد أولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي ، وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج ، واجتمع عنده خلق كثير ، وجم غفير ، وقرأ في السيرة النبوية من خطي ، وذلك في العشر الأول من هذا الشهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية