الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            1100 - ذكر مكاتبته صلى الله عليه وآله وسلم حين صالح قومه قريشا .

                                                                                            2704 - حدثنا علي بن حمشاد ، ثنا هشام بن علي السدوسي ، ثنا محمد بن كثير العبدي ، ثنا يحيى بن سليم ، وعبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : قدمت على عائشة رضي الله عنها ، فبينما نحن عندها جلوس مرجعها من العراق ليالي قوتل علي إذ قالت : يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه ؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي . قلت : ومالي لا أصدقك ؟ قالت : فحدثني عن قصتهم . قلت : إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس ، فنزلوا أرضا من جانب الكوفة يقال لها : حروراء ، وإنهم أنكروا عليه ، فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله وأسماك به ، ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله . فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه ، أمر فأذن مؤذن لا يدخلن على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما أن امتلأ الدار من القراء دعا بمصحف عظيم فوضعه بين يديه فطفق يصكه بيده ، ويقول : أيها المصحف حدث الناس ، فناداه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تسأله عنه إنما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما رأينا منه فماذا تريد ؟ قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله يقول الله عز وجل في امرأة ورجل : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها فأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم حرمة من امرأة ورجل ، ونقموا علي أن كاتبت معاوية وكتبت : علي بن أبي [ ص: 497 ] طالب ، وقد جاء سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل : لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم . قال : " فكيف أكتب ؟ " قال : اكتب باسمك اللهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " اكتب " ثم قال : " اكتب : من محمد رسول الله " قالوا : لو نعلم أنك رسول الله لم نخالفك ، فكتب : " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشا " يقول الله في كتابه : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر فبعثه إليهم علي بن أبي طالب ، فخرجت معهم حتى إذا توسطنا عسكرهم ، قام ابن الكواء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن إن هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه ، فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا من نزل في قومه : بل هم قوم خصمون فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوه كتاب الله . قال : فقام خطباؤهم فقالوا : لا والله لنواضعنه كتاب الله ، فإذا جاء بالحق نعرفه استطعناه ، ولئن جاء بالباطل لنبكتنه بباطله ، ولنردنه إلى صاحبه ، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب بينهم ابن الكواء ، حتى أدخلهم على علي فبعث علي إلى بقيتهم ، فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنزلوا حيث شئتم بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلا أو تطيلوا دما ، فإنكم إن فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين . فقالت له عائشة رضي الله عنها : يا ابن شداد فقد قتلهم ؟ . فقال : والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدماء بغير حق الله ، وقتلوا ابن خباب واستحلوا أهل الذمة فقالت : آلله ؟ قلت : آلله الذي لا إله إلا هو . قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به يقولون : ذو الثدي ذو الثدي ، فقلت : قد رأيته ووقفت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس ، فقال : هل تعرفون هذا ؟ فكان أكثر من جاء يقول : قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، فلم يأت بثبت يعرف إلا ذلك ، قالت : فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ؟ قلت : سمعته يقول : صدق الله ورسوله . قالت : وهل سمعته أنت منه قال غير ذلك ؟ قلت : اللهم لا . قالت : أجل صدق الله ورسوله " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، إلا ذكر ذي الثدية فقد أخرجه مسلم بأسانيد كثيرة .

                                                                                            [ ص: 498 ]

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية