الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء إذا حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة

                                                                                                          1370 حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه بعضهم مرسلا عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وبه يقول بعض فقهاء التابعين مثل عمر بن عبد العزيز وغيره وهو قول أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك بن أنس وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق لا يرون الشفعة إلا للخليط ولا يرون للجار شفعة إذا لم يكن خليطا وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الشفعة للجار واحتجوا بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جار الدار أحق بالدار وقال الجار أحق بسقبه وهو قول الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( إذا وقعت الحدود ) أي : إذا قسم الملك المشترى ، ووقعت الحدود فلا شفعة أي : الحواجز والنهايات ، قال ابن الملك : أي : عينت وظهر كل واحد منها بالقسمة والإفراز ( وصرفت ) بصيغة المجهول أي : بينت ( الطرق ) بأن تعددت ، وحصل لكل نصيب طريق مخصوص ، قال في النهاية : صرفت الطرق أي : بينت مصارفها وشوارعها كأنه من التصرف ، أو التصريف . انتهى ، وقال ابن مالك معناه خلصت وبانت ، وهو مشتق من الصرف بكسر المهملة ، الخالص من كل شيء ، كذا في الفتح ( فلا شفعة ) استدل بهذا الحديث لمن قال : إن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد والبخاري ، قوله : ( وبه يقول الشافعي وإسحاق [ ص: 511 ] لا يرون الشفعة إلا للخليط ، ولا يرون للجار شفعة إذا لم يكن خليطا ) واستدلوا بحديث جابر المذكور ، واستدلوا أيضا بأن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل لمعنى معدوم في الجار ، وهو أن الشريك ربما دخل عليه شريكه فتأذى به ، فدعت الحاجة إلى مقاسمته فيدخل عليه الضرر بنقص قيمة ملكه ، وهذا لا يوجد في المقسوم ( وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم : الشفعة للجار ) وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه ( واستدلوا بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : جار الدار أحق بالدار ) قد تقدم هذا الحديث في باب ما جاء في الشفعة ( وقال الجار أحق بسقبه ) بفتح السين المهملة والقاف ويجوز إسكانها ، وهو القرب والملاصقة . أخرجه البخاري عن عمرو بن الشريد ، قال : وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة فوضع يده على أحد منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا سعد ابتع مني بيتي في دارك ، فقال سعد : والله ما أبتاعهما . فقال المسور : والله لتبتاعنهما . فقال سعد : والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة ، أو مقطعة ، قال أبو رافع : لقد أعطيت بهما خمسمائة دينار ، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الجار أحق بسقبه ) ما أعطيتكهما بأربعة آلاف ، وإنما أعطى بهما خمسمائة دينار فأعطاها إياه ، قال الحافظ في الفتح : قال ابن بطال استدل بهذا الحديث أبو حنيفة ، وأصحابه على إثبات الشفعة للجار ، وأوله غيرهم على أن المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين ، ولذلك دعاه إلى الشراء منه ، قال : وأما قولهم : إنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا فمردود ; فإن كل شيء قارب شيئا قيل له جار ، وقد قالوا لامرأة الرجل جارة ؛ لما بينهما من المخالطة . انتهى .

                                                                                                          وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد وذكر عمر بن شيبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متقابلتين بينهما عشرة أذرع ، وكانت التي عن يمين المسجد منهما لأبي رافع ، فاشتراها سعد منه ، ثم ساق حديث الباب فاقتضى [ ص: 512 ] كلامه أن سعدا كان جارا لأبي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا ، وقال بعض الحنفية : يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار ؛ لأن الجار حقيقة في المجاور ، مجاز في الشريك ، وأجيب بأن محل ذلك عند التجرد ، وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر للجمع بين حديثي جابر وأبي رافع . فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك ، وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا ؛ لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك ، والذين قالوا بشفعة الجار قدموا الشريك مطلقا ، ثم المشارك في الطريق ، ثم الجار على من ليس بمجاور فعلى هذا فيتعين تأويل قوله " أحق " بالحمل على الفضل ، أو التعهد ونحو ذلك . انتهى ما في الفتح .




                                                                                                          الخدمات العلمية