الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 25 ] الصنف الثامن في البيان والمبين

          ويشتمل على مقدمة ومسائل ، أما المقدمة ، ففي تحقيق معنى البيان والمبين ، واختلاف الناس في العبارات الدالة عليهما ، وما هو المختار في ذلك .

          أما البيان : فاعلم أنه لما كان متعلقا بالتعريف والإعلام بما ليس بمعروف ولا معلوم ، وكان ذلك مما يتوقف على الدليل ، والدليل مرشد إلى المطلوب ، وهو العلم أو الظن الحاصل عن الدليل ، ولم يخرج البيان عن التعريف والدليل والمطلوب الحاصل من الدليل لعدم معنى رابع يفسر به البيان ، فلا جرم اختلف الناس .

          فقال أبو بكر الصيرفي - من أصحاب الشافعي - وغيره : إن البيان هو التعريف ، وعبر عنه بأنه إخراج الشيء عن حيز الإشكال إلى حيز الوضوح والتجلي .

          وذهب أبو عبد الله البصري وغيره ، إلى أن البيان هو العلم من الدليل .

          وذهب القاضي أبو بكر والغزالي وأكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة : كالجبائي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم ، إلى أن البيان هو الدليل ، وهو المختار .

          ويدل على صحة تفسيره بذلك أن من ذكر دليلا لغيره وأوضحه غاية الإيضاح يصح لغة وعرفا أن يقال : تم بيانه ، وهو بيان حسن إشارة إلى الدليل المذكور .

          وإن لم يحصل منه المعرفة بالمطلوب للسامع ، ولا حصل به تعريفه ، ولا إخراج المطلوب من حيز الإشكال إلى حيز الوضوح والتجلي ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، والذي يخص كل واحد من التعريفين الآخرين .

          أما الأول : فلأنه غير جامع ؛ لأن ما يدل على الحكم بديا من غير سابقة إجمال بيان ، وهو غير داخل في الحد ، وشرط الحد أن يكون جامعا مانعا ، كيف وفيه تجوز وزيادة ؟

          أما التجوز ففي لفظ الحيز ، فإنه حقيقة في الجوهر دون غيره .

          وأما الزيادة فما فيه من الجمع بين الوضوح والتجلي ، وأحدهما كاف عن الآخر ، والحد مما يجب صيانته عن التجوز والزيادة .

          [ ص: 26 ] وأما التعريف الثاني فلأن حصول العلم عن الدليل يسمى تبينا ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فلو كان هو البيان أيضا حقيقة لزم منه الترادف .

          والأصل عند تعدد الأسماء تعدد المسميات ، تكثيرا للفائدة ، ولأن الحاصل عن الدليل قد يكون علما ، وقد يكون ظنا .

          وعند ذلك فتخصيص اسم البيان بالعلم دون الظن لا معنى له ، مع أن اسم البيان يعم الحالتين ، وإذا كان النزاع إنما هو في إطلاق أمر لفظي ، فأولى ما اتبع ما كان موافقا للإطلاق اللغوي ، وأبعد عن الاضطراب ومخالفة الأصول .

          وإذا عرف أن البيان هو الدليل المذكور فحد البيان ما هو حد الدليل ، على ما سبق في تحريره .

          [1] ويعم ذلك كل ما يقال له دليل ، كان مفيدا للقطع أو الظن ، وسواء كان عقليا أو حسيا ، أو شرعيا أو عرفيا ، أو قولا أو سكوتا ، أو فعلا أو ترك فعل ، إلى غير ذلك .

          وأما المبين فقد يطلق ، ويراد به ما كان من الخطاب المبتدأ المستغني بنفسه عن بيان ، وقد يراد به ما كان محتاجا إلى البيان ، وقد ورد عليه بيانه ، وذلك كاللفظ المجمل إذا بين المراد منه ، والعام بعد التخصيص ، والمطلق بعد التقييد ، والفعل إذا اقترن به ما يدل على الوجه الذي قصد منه ذلك .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية