الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جملة المحجي الشافعي ومباشرة قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بعده

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت وفاته يوم الاثنين بعد الظهر قريبا من العصر ، فصلى بالناس [ ص: 679 ] بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضا عنه ، وصلى بالناس الصبح أيضا ، وقرأ بآخر " المائدة " من قوله : يوم يجمع الله الرسل [ المائدة : 109 ] ثم لما طلعت الشمس ، وزال وقت الكراهة صلي على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة ، وكان الجمع في الجامع كثيرا ، وخرج بجنازته من باب البريد ، وخرج معه طائفة من العوام وغيرهم ، وقد حضر جنازته بالصالحية على - ما ذكر - جم غفير وخلق كثير ، ونال قاضي القضاة الشافعي من بعض الجهلة إساءة أدب ، فأخذ منهم جماعة وأدبوا ، وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ ، وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الأيام; يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والأعيان وغيرهم ذهابا وإيابا ، وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني ، وكذلك يوم العيد بالمصلى ، وخطبة الجمعة يومئذ ، وامتنع قاضي القضاة تاج الدين من المباشرة ، حتى يأتي التشريف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين بعد العصر صلي على الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي المعروف بابن النقيب ، ودفن بالصوفية ، وقد قارب السبعين أو جاوزها ، وكان بارعا في القراءات ، والنحو ، والتصريف ، والعربية ، وله يد في الفقه ، وغير ذلك ، وولي مكانه مشيخة الإقراء بأم الصالح شمس الدين محمد بن اللبان ، وبالتربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر ، وفي صحبته الجيش الذين كانوا [ ص: 680 ] معه بسبب محاربته آل مهنا ، وذويهم من الأعراب في يوم الأربعاء سادس شوال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك وكيل بيت المال وموقع الدست ، وصلي عليه صبيحة الأحد بالجامع ، ودفن بالصوفية ، وقد كتب الكثير من التاريخ ، واللغة ، والأدب ، وله الأشعار الفائقة ، والفنون المتنوعة ، وجمع ، وصنف ، وكتب ما يقارب مئين من المجلدات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت عاشره جمع القضاة والأعيان بدار السعادة ، وكتبوا خطوطهم بالرضا بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي ، وكاتب نائب السلطنة في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأحد حادي عشره استقر عزل نائب السلطنة سيف الدين قشتمر عن نيابة دمشق ، وأمر بالمسير إلى نيابة صفد ، فأنزل أهله بدار طيبغا حاجي من الشرف الأعلى ، وبرز هو إلى سطح المزة ذاهبا إلى ناحية صفد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج المحمل صحبة الحجيج ، وهم جم غفير ، وخلق كثير - يوم الخميس رابع عشر شوال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال توفي القاضي أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي ، وزوج ابنته ونائبه في الحكم مطلقا ، وفي القضاء والتدريس - في غيبته ، فعالجته المنية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 681 ] ومن غريب ما وقع في أواخر هذا الشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أن رجلا رأى مناما فيه أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - عند شجرة توتة عند مسجد ضرار خارج باب شرقي ، فتبادر النساء إلى تخليق تلك التوتة ، وأخذوا أوراقها للاستشفاء من الوباء ، ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام ، ولا يصح عمن يرويه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القعدة خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي خطبة بليغة فصيحة أداها أداء حسنا ، وقد كان يخشى من طائفة من العوام أن يشوشوا ، فلم يتكلم أحد منهم ، بل ضجوا عند الموعظة وغيرها ، وأعجبهم الخطيب وخطبته ، وأداؤه ، وتبليغه ، ومهابته ، واستمر يخطب هو بنفسه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفي الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل ، ناظر الجامع الأموي وغيره ، وقد باشر نظر الجامع في أيام تنكز ، وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي ، وكمل رخامه كله ، وفتق محرابا للحنفية في الحائط القبلي ، ومحرابا للحنابلة فيه أيضا في غربيه ، وأثر أشياء كثيرة فيه ، وكانت له همة ، وينسب إلى أمانة ، وصرامة ، ومباشرة مشكورة مشهورة ، ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات ، رحمه الله ، وقد جاوز الثمانين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأربعاء تاسع عشره توفي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب الإخميمي المصري ، إمام مسجد درب الحجر ، وصلي عليه بعد العصر [ ص: 682 ] بالجامع الأموي ، ودفن بقصر ابن الحلاج عند الطيوريين بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك ، وقد كان له يد في أصول الفقه ، وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية