الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما .

قوله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا لا خلاف بين العلماء أن الاستثناء عامل في الكافر والزاني . واختلفوا في القاتل من المسلمين على ما تقدم بيانه في ( النساء ) ومضى في ( المائدة ) القول في جواز التراخي في الاستثناء في اليمين ، وهو مذهب ابن عباس مستدلا بهذه الآية .

قوله تعالى : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات قال النحاس : من أحسن ما قيل فيه أنه يكتب موضع " كافر " : مؤمن ، وموضع " عاص " : مطيع . وقال مجاهد والضحاك : أن يبدلهم الله من الشرك الإيمان وروي نحوه عن الحسن . قال الحسن : قوم يقولون : التبديل في الآخرة ، وليس كذلك ، إنما التبديل في الدنيا ; يبدلهم الله إيمانا من الشرك ، وإخلاصا من الشك ، وإحصانا [ ص: 75 ] من الفجور . وقال الزجاج : ليس بجعل مكان السيئة الحسنة ، ولكن بجعل مكان السيئة التوبة ، والحسنة مع التوبة . وروى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن السيئات تبدل بحسنات . وروي معناه عن سلمان الفارسي وسعيد بن جبير وغيرهما . وقال أبو هريرة : ذلك في الآخرة فيمن غلبت حسناته على سيئاته ، فيبدل الله السيئات حسنات . وفي الخبر : ليتمنين أقوام أنهم أكثروا من السيئات . فقيل : ومن هم ؟ قال : الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات . رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ذكره الثعلبي والقشيري . وقيل : التبديل عبارة عن الغفران ; أي يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات . قلت : فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة ; وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ : أتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها : رجل يؤتى به يوم القيامة ، فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه ، فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، فيقول نعم . لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول يا رب قد عملت أشياء لا أراها هاهنا . فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه . وقال أبو طويل : يا رسول الله ، أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ولم يترك منها شيئا ، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها فهل له من توبة ؟ قال : هل أسلمت ؟ قال : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنك عبد الله ورسوله . قال نعم ، تفعل الخيرات وتترك السيئات يجعلهن الله كلهن خيرات . قال : وغدراتي وفجراتي يا نبي الله ؟ قال : نعم . قال : الله أكبر ! فما زال يكررها حتى توارى . ذكره الثعلبي . قال مبشر بن عبيد ، وكان عالما بالنحو والعربية : الحاجة التي تقطع على الحاج إذا توجهوا . والداجة التي تقطع عليهم إذا قفلوا . وكان الله غفورا رحيما

التالي السابق


الخدمات العلمية