الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 689 ] فتح باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان ، وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية ، وأمر نائب السلطنة ، وإذن القضاة في ذلك ، واستهل رمضان وهم في العمل فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني ، المحدث المحصل ، المؤلف لأشياء مهمة في الحديث ، قرأ ، وسمع ، وجمع ، وكتب أسماء رجال ب " مسند الإمام أحمد " ، واختصر كتابا في أسماء الرجال مفيدا ، وولي مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر داخل باب توماء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان ، ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ " البخاري " عند محراب الصحابة ، وبين الشيخ بدر الدين ابن الشيخ جمال الدين بن الشريشي ، وتهاترا على رءوس الأشهاد بسبب لفظة " يبتئر " بمعنى ( يدخر ) ، وفي نسخة " يبتئز " ، فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن [ ص: 690 ] الصواب " يبتئز " من قول العرب : من عز بز . وصدق في ذلك ، فكأن منازعه خطأ المزي ، فانتصر الآخر للحافظ المزي ، فنال منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه ، فكشف رأسه على طريقة الصوفية ، فكأن ابن السراج لم يلتفت إليه ، وتدافعوا إلى القاضي الشافعي ، فانتصر للحافظ المزي ، وجرت أمور ثم اصطلحوا غير مرة ، وعزم أولئك على كتب محضر على ابن السراج ، ثم انطفأت تلك الشرور . وكثر الموت في أثناء شهر رمضان ، وقاربت العدة مائة ، وربما جاوزت المائة ، وربما كانت أقل منها وهو الغالب ، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وكثر الجراد في البساتين ، وعظم الخطب بسببه ، وأتلف شيئا كثيرا من الغلات ، والثمار ، والخضراوات ، وغلت الأسعار ، وقلت الثمار ، وارتفعت قيم الأشياء ، فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار ، والرز بأزيد من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي ، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة ، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباشورة جنبتيه ، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان ، وجاء في غاية الحسن ، وسلك الناس في حارات اليهود ، وانكشف دخلهم ، وأمن الناس من دخنهم ، وغشهم ، ومكرهم ، [ ص: 691 ] وخبثهم ، وانفرج الناس بهذا الباب المبارك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد ، ورعى الخضراوات ، والأشجار ، وأوسع أهل الشام في الفساد ، وغلت الأسعار ، واستمر الفناء ، وكثر الضجيج والبكاء ، وفقدنا كثيرا من الأصحاب والأصدقاء . وقد تناقص الفناء في هذه المدة ، وقل الوقع ، وتناقص للخمسين . وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ، ولله الحمد ، ونزل العدد إلى العشرين فما حولها . وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة ، فأنزلا في الميدان الأخضر قريبا من القصر الأبلق ، وذهب الناس للنظر إليهما على العادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة تاسعه صلي على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي ، المعروف بابن الخضري ، محدث بغداد وواعظها ، كان من أهل السنة والجماعة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية