الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3637 [ ص: 432 ] باب : ذبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم الضحية عنه وعن آله وأمته

                                                                                                                              وذكره النووي في : ( الباب المتقدم) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 121 ، 122 ج 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به، ليضحي به. فقال لها: "يا عائشة! هلمي المدية". ثم قال: "اشحذيها بحجر" ففعلت. ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه. ثم ذبحه. ثم قال: "باسم الله. اللهم! تقبل من محمد وآل محمد. ومن أمة محمد". ثم ضحى به] .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عائشة) رضي الله عنها ؛ ( أن رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم : أمر بكبش أقرن ، يطأ في سواد ، ويبرك في سواد ، وينظر في سواد) . أي : بطنه ، وقوائمه ، وما حول عينيه : سود .

                                                                                                                              ( فأتي به ، ليضحي به . فقال لها : " يا عائشة ! هلمي المدية ") .

                                                                                                                              أي : هاتيها . وهي بضم الميم وكسرها وفتحها . وهي "السكين ".

                                                                                                                              [ ص: 433 ] ( ثم قال : " اشحذيها بحجر ") . هو بالشين المعجمة ، والحاء المهملة المفتوحة ، وبالذال المعجمة . أي : حدديها. وهذا موافق للحديث السابق ، في الأمر بإحسان القتلة والذبح ، وإحداد الشفرة .

                                                                                                                              قال في النيل : فيه استحباب إحسان الذبح ، وكراهة التعذيب . كأن يذبح بما في حده ضعف .

                                                                                                                              ( ففعلت . ثم أخذها ، وأخذ الكبش فأضجعه ، ثم ذبحه . ثم قال : " باسم الله . اللهم ! تقبل من محمد وآل محمد . ومن أمة محمد " . ثم ضحى به) . هذا الكلام فيه تقديم وتأخير . وتقديره : فأضجعه ، وأخذ في ذبحه قائلا : " باسم الله ... إلخ " ، مضحيا به . ولفظة : "ثم " هنا متأولة على ما ذكرته بلا شك .

                                                                                                                              قال النووي: وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح ، وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة ، بل مضجعة . لأنه أرفق بها . قال : وبهذا جاءت الأحاديث ، وأجمع المسلمون عليه . واتفق العلماء وعمل المسلمين : على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر ، لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين ، وإمساك رأسها باليسار . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 434 ] وفيه : استحباب قول المضحي به : باسم الله . واستحباب قوله حال الذبح " مع التسمية والتكبير " : اللهم ! تقبل مني . قالت الشافعية : ويستحب معه : " اللهم ! منك وإليك . تقبل مني ". وبه قال الحسن ، وجماعة . وكرهه أبو حنيفة . وكره مالك : " اللهم ! منك وإليك "، وقال : هي بدعة . انتهى .

                                                                                                                              وأقول : يرد عليهما : حديث جابر عند ابن ماجه يرفعه . وفيه : " قال : اللهم ! منك ولك . عن محمد وأمته " .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى عنه : " اللهم ! هذا عني ، وعمن لم يضح من أمتي ". رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي .

                                                                                                                              وفي رواية عن علي يرفعه ، عند أحمد : " اللهم ! هذا عن أمتي جميعا ، من شهد لك بالتوحيد ، وشهد لي بالبلاغ ".

                                                                                                                              وهذه الأحاديث : تدل على أنه يجوز للرجل ، أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ، ويشركهم معه في الثواب . وبه قال الجمهور ، والشافعية .

                                                                                                                              وكرهه الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه . والأحاديث ترد عليهم . ويرد عليهم أيضا : حديث الباب

                                                                                                                              ، وحديث أبي أيوب : " أن الرجل ، كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم " . قال النووي : وزعم الطحاوي : أن هذا [ ص: 435 ] الحديث منسوخ ، أو مخصوص . قال : وغلطه العلماء في ذلك . فإن النسخ والتخصيص، لا يثبتان بمجرد الدعوى . انتهى .

                                                                                                                              قال في النيل : وقد تمسك بحديث الباب

                                                                                                                              ، وما في معناه : من قال : " إن الأضحية غير واجبة ، بل سنة ". وهم الجمهور . وبه قال أحمد ، ومالك ، وأبو يوسف ، وداود ، وغيرهم ، وجماعة من الصحابة .

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وغيره : إنها واجبة على الموسر المقيم ، يملك نصابا . قال النخعي : إلا الحاج بمنى .

                                                                                                                              وقال محمد : واجبة على المقيم بالأمصار .

                                                                                                                              قال ابن حزم : لا يصح عن أحد من الصحابة : أنها واجبة . ولا خلاف في كونها من شرائع الدين .

                                                                                                                              ووجه الدلالة على عدم الوجوب : أن الظاهر : أن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته ، وعن أهله : تجزئ كل من لم يضح. سواء كان متمكنا من الأضحية ، أو غير متمكن .

                                                                                                                              [ ص: 436 ] ويمكن أن يجاب عن ذلك : بأن حديث "على أهل كل بيت أضحية " : يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها . فيكون قرينة على أن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم ، عن غير الواجدين من أمته . انتهى .

                                                                                                                              قلت : ولكن يعارضه لفظ : " هذا عن أمتي جميعا ". كما تقدم .

                                                                                                                              قال في النيل : ولو سلم ظهور المدعى ، فلا دلالة له على عدم الوجوب . لأن محل النزاع : "من لم يضح عن نفسه ، ولا ضحى عنه غيره" . فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة ، مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم . ثم ذكر أدلة القائلين بعدم الوجوب ، والقائلين بالوجوب . وقال : لم يأت من قال بعدم الوجوب : بما يصلح للصرف . أي : لصرف الأدلة الدالة على وجوبها . والله أعلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية