الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم

                                                                                                                                                                                                "لا تحسبن": خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد المفعولين الذين يفرحون والثاني "بمفازة" وقوله: فلا تحسبنهم تأكيد تقديره: لا تحسبنهم، فلا تحسبنهم فائزين.

                                                                                                                                                                                                وقرئ: (لا تحسبن) (فلا تحسبنهم) بضم الياء على خطاب المؤمنين "ولا يحسبن" "فلا يحسبنهم" بالياء وفتح الباء فيهما، على أن الفعل للرسول.

                                                                                                                                                                                                وقرأ أبو عمرو بالياء وفتح الباء في الأول وضمها في الثاني، على أن الفعل للذين يفرحون، والمفعول الأول محذوف على: لا يحسبنهم الذين يفرحون بمفازة، بمعنى: لا يحسبن أنفسهم الذين يفرحون فائزين، وفلا يحسبنهم تأكيد، ومعنى بما أوتوا : بما فعلوا، وأتى وجاء يستعملان بمعنى فعل، قال الله تعالى: إنه كان وعده مأتيا [مريم: 61]، لقد جئت شيئا فريا [مريم: 27] ويدل عليه قراءة أبي: (يفرحون بما فعلوا)، وقرئ: (آتوا) بمعنى أعطوا، وعن علي -رضي الله عنه -: (بما أوتوا)، ومعنى بمفازة من العذاب بمنجاة منه.

                                                                                                                                                                                                روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه، وأروه أنهم قد صدقوه، واستحمدوا إليه، وفرحوا بما فعلوا فأطلع الله رسوله على ذلك، وسلاه بما أنزل من وعيدهم، أي: لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا [ ص: 674 ] من تدليسهم عليك - ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه - ناجين من العذاب.

                                                                                                                                                                                                ومعنى يفرحون بما أتوا بما أوتوه من علم التوراة، وقيل: يفرحون بما فعلوا من كتمان نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من اتباع دين إبراهيم، حيث ادعوا أن إبراهيم كان على اليهودية وأنهم على دينه.

                                                                                                                                                                                                وقيل: هم قوم تخلفوا عن الغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما قفل اعتذروا إليه بأنهم رأوا المصلحة في التخلف، واستحمدوا إليه بترك الخروج.

                                                                                                                                                                                                وقيل: هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين ومنافقتهم وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم، ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة لإبطانهم الكفر، ويجوز أن يكون شاملا لكل من يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب، ويحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بالديانة والزهد وبما ليس فيه.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية