أبواب الأغسال المستحبة . باب غسل الجمعة
309 - ( عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } . رواه الجماعة ، إذا جاء أحدكم إلى الجمعة [ ص: 290 ] فليغتسل : { ولمسلم } . ) إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل
- باب غسل الجمعة
- باب غسل العيدين
- باب الغسل من غسل الميت
- باب الغسل للإحرام وللوقوف بعرفة ودخول مكة
- باب غسل المستحاضة لكل صلاة
- باب غسل المغمي عليه إذا أفاق
- باب صفة الغسل
- باب تعاهد باطن الشعور وما جاء في نقضها
- باب استحباب نقض الشعر لغسل الحيض وتتبع أثر الدم فيه
- باب ما جاء في قدر الماء في الغسل والوضوء
- باب الاستتار عن الأعين للمغتسل وجواز تجرده في الخلوة
- باب الدخول في الماء بغير إزار
- باب ما جاء في دخول الحمام
التالي
السابق
الحديث له طرق كثيرة ، ورواه غير واحد من الأئمة ، وعد ابن منده من رواه عن فبلغوا فوق ثلثمائة نفس ، وعد من رواه من الصحابة غير نافع ، فبلغوا أربعة وعشرين صحابيا . قال الحافظ : وقد جمعت طرقه عن ابن عمر فبلغوا مائة وعشرين نفسا . نافع
وفي الغسل في يوم الجمعة أحاديث غير ما ذكر المصنف منها عن عند جابر . وعن النسائي عند البراء في المصنف . وعن ابن أبي شيبة عند أنس ابن عدي في الكامل . وعن بريدة عند . وعن البزار عند ثوبان أيضا . وعن البزار عند سهل بن حنيف . وعن الطبراني عند عبد الله بن الزبير أيضا . وعن الطبراني عند ابن عباس . وعن ابن ماجه حديث آخر عند عبد الله بن عمر . وعن الطبراني عند ابن مسعود . وعن البزار حفصة عند أبي داود .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم في أبواب الجمعة إن شاء الله .
والحديث يدل على ، وقد اختلف الناس في ذلك ، قال مشروعية غسل الجمعة النووي : فحكي وجوبه عن طائفة من السلف ، حكوه عن بعض الصحابة ، وبه قال أهل الظاهر . وحكاه عن ابن المنذر ، وحكاه مالك عن الخطابي الحسن البصري ، وحكاه ومالك أيضا عن ابن المنذر أبي هريرة وغيرهما . وحكاه وعمار عن ابن حزم وجمع من الصحابة ومن بعدهم . وحكي عن عمر ، وحكاه شارح الغنية ابن خزيمة لابن سريج قولا . للشافعي
وقد حكى وغيره الإجماع على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة ، وأنها تصح بدونه . وذهب جمهور العلماء من الخطابي السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب . قال القاضي عياض : وهو المعروف من مذهب وأصحابه . واستدل الأولون على وجوبه بالأحاديث التي أوردها مالك رحمه الله تعالىفي هذا الباب ، وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب ، وفي بعضها الأمر به ، وفي بعضها أنه حق على كل مسلم ، والوجوب يثبت بأقل من هذا . واحتج الآخرون لعدم الوجوب بحديث : { المصنف } أخرجه من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام من حديث مسلم . أبي هريرة
قال في تقرير الاستدلال بهذا الحديث على الاستحباب ما لفظه : ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة ، يدل على أن الوضوء كاف . قال القرطبي ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة ، واحتجوا أيضا لعدم الوجوب بحديث سمرة الآتي لقوله فيه { } فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل . : ومن اغتسل فالغسل أفضل
وبحديث الرجل الذي دخل يخطب ، وقد ترك الغسل ، قال وعمر النووي : [ ص: 291 ] وجه الدلالة أن الرجل فعله ، وأقره ، ومن حضر ذلك الجمع ، وهم أهل الحل والعقد ، ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه به ، وبحديث عمر الآتي ، ووجه دلالته على ذلك ما ذكره أبي سعيد . وبحديث المصنف أوس الثقفي ، وسيأتي في هذا الباب . ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشي والدنو من الإمام ، وليست بواجبة فيكون مثلها .
وبحديث الآتي ، ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة ، فإذا زالت زال الوجوب . وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالأمر ، أنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة ، والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب ، وقد أمكن بهذا . وأما قوله : واجب ، وقوله حق ، فالمراد متأكد في حقه ، كما يقول الرجل لصاحبه : حقك علي ، ومواصلتك حق علي ، وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب ، بل المراد أن ذلك متأكد حقيق بأن لا يخل به ، واستضعفه عائشة ابن دقيق العيد وقال : إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا لظاهر ، وأقوى ما عارضوا به حديث : { } ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث ، انتهى . من توضأ يوم الجمعة
وأما حديث { } فقال الحافظ في الفتح : ليس فيه نفي الغسل ، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ : " من اغتسل " فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء انتهى . وأما حديث الرجل الذي دخل من توضأ فأحسن الوضوء يخطب وهو وعمر عثمان كما سيأتي ، فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له ; لأن إنكار على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل ، وتقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار ، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة ، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره ، فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا . عمر
ولعل النووي ومن معه ظنوا أنه لو كان الاغتسال واجبا لنزل من منبره ، وأخذ بيد ذلك الصحابي وذهب به إلى المغتسل ، أو لقال له : لا تقف في هذا الجمع أو اذهب فاغتسل فإنا سننظرك أو ما أشبه ذلك ، مثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشرعية ، وغاية ما كلفنا به في إنكار على من ترك واجبا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار ، كما قال الحافظ في الفتح ، لما ثبت في صحيح عمر عن مسلم حمران مولى عثمان أن لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء ، وإنما لم يعتذر عثمان بذلك كما اعتذر عن التأخر ; لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة . لعمر
وقد حكى عن ابن المنذر ، أن قصة إسحاق بن راهويه عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه [ ص: 292 ] من جهة ترك الخطبة واشتغاله بمعاتبة عمر عثمان وتوبيخ مثله على رءوس الناس ، ولو كان الترك مباحا لما فعل ذلك . وأما حديث عمر الآتي ، فقد تقرر ضعف دلالة الاقتران ولا سيما بجنب مثل أحاديث الباب . أبي سعيد
وقد قال ابن الجوزي في الجواب على المستدلين بهذا الحديث على عدم الوجوب : إنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف . وقال ابن المنير إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه ; لأن للقائل أن يقول : خرج بدليل ، فبقي ما عداه على الأصل . وأما حديث أوس الثقفي فليس فيه أيضا إلا الاستدلال بالاقتران . وأما حديث فلا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها ، وهي إغاظة المشركين ، وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له ، وهو ظهور الشيطان بذلك المكان ، وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة ، قال في الفتح : وأجيب عن حديث عائشة بأنه ليس في نفي الوجوب ، وبأنه سابق على الأمر به ، والإعلام بوجوبه به ، وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب ، وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب ; لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله ، ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدهما ; لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث عائشة سمرة ، وهو غير سالم من مقال وسنبينه .
وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية ، وقد دل حديث الباب أيضا على ، والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه ، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال . اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح ، وإليه ذهب تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة . والثاني : عدم الاشتراط لكن لا يجزي فعله بعد صلاة الجمعة ، ويستحب تأخيره إلى الذهاب ، وإليه ذهب الجمهور . والثالث : أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه ، وإليه ذهب مالك ، ونصره داود ، واستبعده ابن حزم ابن دقيق العيد ، وقال : يكاد يجزم ببطلانه ، وادعى الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ، واستدل ابن عبد البر بحديث الباب ونحوه . مالك
واستدل الجمهور بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة ، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة ، والمقصود عدم تأذي الحاضرين ، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة . والظاهر ما ذهب إليه وداود ; لأن حمل الأحاديث التي أطلق فيها اليوم على حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب . والمراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع ، وهو الصلاة لا اسم [ ص: 293 ] اليوم كذا قيل ، وفي القاموس والجمعة المجموعة ويوم الجمعة ، وقيل : إنما سمي يوم الجمعة ; لأن خلق مالك آدم جمع فيه ، أخرجه أحمد وغيرهما من حديث وابن خزيمة سليمان . وله شاهد من حديث ، أخرجه أبي هريرة بإسناد ضعيف ، أحمد وابن أبي حاتم بسند قوي موقوف .
قال الحافظ : إن هذا أصح الأقوال ، ولكنه لا يصح أن يراد في الحديث إلا الصلاة ; لأن اليوم لا يؤتى ، وكذلك غيره ، وأخرج ابن خزيمة وغيرهما مرفوعا : { وابن حبان } زاد من أتى الجمعة فليغتسل { ابن خزيمة } . ومن لم يأتها فلا يغتسل
310 - ( وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي سعيد } . متفق عليه ) . وقد اتفق السبعة على إخراج قوله : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " . قوله : ( وأن يمس ) يجوز فتح الميم وضمها ، وزاد في رواية غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه وغيره { لمسلم } ولو من طيب المرأة
وهو المكروه للرجال ، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه . فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره ، وهو يدل على تأكده . وقوله : ( ما يقدر عليه ) قال القاضي عياض : محتمل لتكثيره ، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه . والحديث يدل على وجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ : واجب . وقد استدل به على عدم الوجوب باعتبار اقترانه بالسواك ومس الطيب . قال رحمه الله تعالى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول : حقك علي واجب ، والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالإجماع ، وهو السواك والطيب انتهى . المصنف
وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك ، وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر ، وأما صرف لفظ واجب وحق فلا ، والكلام قد سبق مبسوطا في الذي قبله .
311 - ( وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . متفق عليه ) . الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة ، وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب ، وقد تبين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة . حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده
312 - ( وعن { ابن عمر بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل [ ص: 294 ] من عمر المهاجرين الأولين ، فناداه : أية ساعة هذه ؟ فقال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت ، قال : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل عمر } . متفق عليه ) . الرجل المذكور هو أن عثمان كما بين في رواية وغيره ، قال لمسلم : ولا أعلم خلافا في ذلك . ابن عبد البر
قوله : ( أية ساعة هذه ) قال ذلك توبيخا له وإنكارا لتأخره إلى هذا الوقت .
قوله : ( الوضوء أيضا ) هو منصوب أي توضأت الوضوء ، قاله الأزهري وغيره ، فيه إنكار ثان مضافا إلى الأول أي الوضوء أيضا اقتصرت عليه ، واخترته دون الغسل . والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل ، واقتصرت على الوضوء .
وجوز . القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، أي والوضوء أيضا يقتصر عليه . قال في الفتح : وأغرب السهيلي فقال : اتفق الرواة على الرفع ; لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر ، وجوابه ما تقدم . والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله : ( كان يأمر ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وفيه استحباب تفقد الإمام لرعيته ، وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة ، وإن كان كبير القدر ، وجواز الإنكار في مجمع من الناس ، وجواز الكلام في الخطبة ، وحسن الاعتذار إلى ولاة الأمر .
وقد استدل بهذه القصة على عدم وجوب غسل الجمعة ، قد عرفناك فيما سبق عدم صلاحيتها لذلك .
313 - ( وعن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : { سمرة بن جندب } . رواه الخمسة إلا من توضأ للجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فذلك أفضل فإنه رواه من حديث ابن ماجه ) . الحديث أخرجه جابر بن سمرة ، وحسنه ابن خزيمة الترمذي ، وقد روي عن عن قتادة الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . قال في الإمام : من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث ، وهو مذهب ، كما نقله عنه علي بن المديني البخاري والترمذي وغيرهم ، وقيل : لم يسمع منه إلا حديث العقيقة ، وهو قول والحاكم وغيره ، وقيل : لم يسمع منه شيئا ، وإنما يحدث من كتابه . البزار
وروي من طريق الحسن عن ، أخرجه أبي هريرة ، وهو وهم كما قال الحافظ . البزار
وروي من طريق عن قتادة الحسن عن . ومن [ ص: 295 ] طريق جابر إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن . قال الحافظ : وهذا الاختلاف فيه على أنس الحسن وعلى لا يضر لضعف من وهم فيه ، والصواب كما قال قتادة عن الدارقطني عن قتادة الحسن عن سمرة وكذا قال . ورواه العقيلي بسند ضعيف عن ابن ماجه . رواه أنس من حديثه في الأوسط بإسناد أمثل من الطبراني . ورواه ابن ماجه بإسناد فيه نظر من حديث البيهقي ، وبإسناد فيه انقطاع من حديث ابن عباس . ورواه جابر عبد بن حميد في مسنديهما . وكذلك والبزار من حديثه بإسناد فيه ضعف من حديث إسحاق بن راهويه . وله طريق أخرى في التمهيد فيها أبي سعيد الربيع بن بدر وهو ضعيف .
والحديث دليل لمن قال بعدم وجوب غسل الجمعة ، وقد ذكرنا تقرير الاستدلال به على ذلك ، والجواب عليه أول الباب .
قوله : ( فبها ونعمت ) قال الأزهري : معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة ، قال : إنما ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة ، وقال الأصمعي : ونعمت الخصلة . وقيل : ونعمت الرخصة ; لأن السنة الغسل ، قاله الخطابي أبو حامد الشاركي وقال بعضهم : فبالفريضة أخذ ، ونعمت الفريضة .
314 - ( وعن عروة عن قالت : { عائشة العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم ، وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا } . متفق عليه ) . كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن
قوله : ( ينتابون الجمعة ) أي يأتونها ، والعوالي هي القرى التي حول المدينة على أربعة أميال منها .
قوله : ( في العباء ) هو بالمد وفتح العين المهملة : جمع عباءة بالمد وعباية بالياء لغتان مشهورتان . قوله : ( لو أنكم تطهرتم ) لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ، أو للشرط ، والجواب محذوف تقديره لكان حسنا . الحديث استدل به من قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد قدمنا تقرير الاستدلال به ، والجواب عليه في أول الباب .
315 - ( وعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } . رواه الخمسة ولم يذكر من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها الترمذي : " ومشى ولم يركب " ) الحديث حسنه الترمذي ، وسكت عليه أبو داود ، وقد اختلف فيه على [ ص: 296 ] والمنذري أبي الأشعث ، وعلى عبد الرحمن بن يزيد ، وعلى ، وقد رواه عبد الله بن المبارك بإسناد ، قال الطبراني العراقي : حسن عن أوس المذكور ، ورواه في مسنده عنه عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم . عبد الله بن عمرو
قوله : ( غسل ) روي بالتخفيف والتشديد ، قيل أراد غسل رأسه ، واغتسل أي غسل سائر بدنه ، وقيل : جامع زوجته فأوجب عليها الغسل ، فكأنه غسلها واغتسل في نفسه ، وقيل : كرر ذلك للتأكيد ، ويرجح التفسير الأول ما في رواية أبي داود في هذا الحديث بلفظ : { } ، وما في من غسل رأسه واغتسل عن البخاري قال : قلت طاوس : ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لابن عباس } الحديث ، وقال صاحب المحكم : غسل امرأته يغسلها غسلا أكثر نكاحها . وقال : اغتسلوا واغسلوا رءوسكم ويقال : غسل المرأة بالتخفيف والتشديد إذا جامعها ، وحكاه صاحب النهاية وغيره أيضا ، وقيل : المراد غسل أعضاء الوضوء ، واغتسل للجمعة ، وقيل : غسل ثيابه واغتسل لجسده . الزمخشري
قوله : ( بكر ) بالتشديد على المشهور ، أي راح في أول الوقت وابتكر أي أدرك أول الخطبة ، ورجحه العراقي ، وقيل : كرره للتأكيد .
وبه جزم ابن العربي والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الخلاف فيه ، وعلى مشروعية التبكير ، والمشي والدنو من الإمام ، والاستماع وترك اللغو ، وإن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل . .
وفي الغسل في يوم الجمعة أحاديث غير ما ذكر المصنف منها عن عند جابر . وعن النسائي عند البراء في المصنف . وعن ابن أبي شيبة عند أنس ابن عدي في الكامل . وعن بريدة عند . وعن البزار عند ثوبان أيضا . وعن البزار عند سهل بن حنيف . وعن الطبراني عند عبد الله بن الزبير أيضا . وعن الطبراني عند ابن عباس . وعن ابن ماجه حديث آخر عند عبد الله بن عمر . وعن الطبراني عند ابن مسعود . وعن البزار حفصة عند أبي داود .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة يأتي ذكرهم في أبواب الجمعة إن شاء الله .
والحديث يدل على ، وقد اختلف الناس في ذلك ، قال مشروعية غسل الجمعة النووي : فحكي وجوبه عن طائفة من السلف ، حكوه عن بعض الصحابة ، وبه قال أهل الظاهر . وحكاه عن ابن المنذر ، وحكاه مالك عن الخطابي الحسن البصري ، وحكاه ومالك أيضا عن ابن المنذر أبي هريرة وغيرهما . وحكاه وعمار عن ابن حزم وجمع من الصحابة ومن بعدهم . وحكي عن عمر ، وحكاه شارح الغنية ابن خزيمة لابن سريج قولا . للشافعي
وقد حكى وغيره الإجماع على أن الغسل ليس شرطا في صحة الصلاة ، وأنها تصح بدونه . وذهب جمهور العلماء من الخطابي السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه مستحب . قال القاضي عياض : وهو المعروف من مذهب وأصحابه . واستدل الأولون على وجوبه بالأحاديث التي أوردها مالك رحمه الله تعالىفي هذا الباب ، وفي بعضها التصريح بلفظ الوجوب ، وفي بعضها الأمر به ، وفي بعضها أنه حق على كل مسلم ، والوجوب يثبت بأقل من هذا . واحتج الآخرون لعدم الوجوب بحديث : { المصنف } أخرجه من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام من حديث مسلم . أبي هريرة
قال في تقرير الاستدلال بهذا الحديث على الاستحباب ما لفظه : ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة ، يدل على أن الوضوء كاف . قال القرطبي ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل يوم الجمعة ، واحتجوا أيضا لعدم الوجوب بحديث سمرة الآتي لقوله فيه { } فدل على اشتراك الغسل والوضوء في أصل الفضل وعدم تحتم الغسل . : ومن اغتسل فالغسل أفضل
وبحديث الرجل الذي دخل يخطب ، وقد ترك الغسل ، قال وعمر النووي : [ ص: 291 ] وجه الدلالة أن الرجل فعله ، وأقره ، ومن حضر ذلك الجمع ، وهم أهل الحل والعقد ، ولو كان واجبا لما تركه ولألزموه به ، وبحديث عمر الآتي ، ووجه دلالته على ذلك ما ذكره أبي سعيد . وبحديث المصنف أوس الثقفي ، وسيأتي في هذا الباب . ووجه دلالته جعله قرينا للتبكير والمشي والدنو من الإمام ، وليست بواجبة فيكون مثلها .
وبحديث الآتي ، ووجه دلالته أنهم إنما أمروا بالاغتسال لأجل تلك الروائح الكريهة ، فإذا زالت زال الوجوب . وأجابوا عن الأحاديث التي صرح فيها بالأمر ، أنها محمولة على الندب والقرينة الصارفة عن الوجوب هذه الأدلة المتعاضدة ، والجمع بين الأدلة ما أمكن هو الواجب ، وقد أمكن بهذا . وأما قوله : واجب ، وقوله حق ، فالمراد متأكد في حقه ، كما يقول الرجل لصاحبه : حقك علي ، ومواصلتك حق علي ، وليس المراد الوجوب المتحتم المستلزم للعقاب ، بل المراد أن ذلك متأكد حقيق بأن لا يخل به ، واستضعفه عائشة ابن دقيق العيد وقال : إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا لظاهر ، وأقوى ما عارضوا به حديث : { } ولا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث ، انتهى . من توضأ يوم الجمعة
وأما حديث { } فقال الحافظ في الفتح : ليس فيه نفي الغسل ، وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ : " من اغتسل " فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء انتهى . وأما حديث الرجل الذي دخل من توضأ فأحسن الوضوء يخطب وهو وعمر عثمان كما سيأتي ، فما أراه إلا حجة على القائل بالاستحباب لا له ; لأن إنكار على رأس المنبر في ذلك الجمع على مثل ذلك الصحابي الجليل ، وتقرير جمع الحاضرين الذين هم جمهور الصحابة لما وقع من ذلك الإنكار ، من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة ، ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره ، فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا . عمر
ولعل النووي ومن معه ظنوا أنه لو كان الاغتسال واجبا لنزل من منبره ، وأخذ بيد ذلك الصحابي وذهب به إلى المغتسل ، أو لقال له : لا تقف في هذا الجمع أو اذهب فاغتسل فإنا سننظرك أو ما أشبه ذلك ، مثل هذا لا يجب على من رأى الإخلال بواجب من واجبات الشرعية ، وغاية ما كلفنا به في إنكار على من ترك واجبا هو ما فعله عمر في هذه الواقعة على أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار ، كما قال الحافظ في الفتح ، لما ثبت في صحيح عمر عن مسلم حمران مولى عثمان أن لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفيض عليه الماء ، وإنما لم يعتذر عثمان بذلك كما اعتذر عن التأخر ; لأنه لم يتصل غسله بذهابه إلى الجمعة . لعمر
وقد حكى عن ابن المنذر ، أن قصة إسحاق بن راهويه عمر وعثمان تدل على وجوب الغسل لا على عدم وجوبه [ ص: 292 ] من جهة ترك الخطبة واشتغاله بمعاتبة عمر عثمان وتوبيخ مثله على رءوس الناس ، ولو كان الترك مباحا لما فعل ذلك . وأما حديث عمر الآتي ، فقد تقرر ضعف دلالة الاقتران ولا سيما بجنب مثل أحاديث الباب . أبي سعيد
وقد قال ابن الجوزي في الجواب على المستدلين بهذا الحديث على عدم الوجوب : إنه لا يمتنع عطف ما ليس بواجب على الواجب لا سيما ولم يقع التصريح بحكم المعطوف . وقال ابن المنير إن سلم أن المراد بالواجب الفرض لم ينفع دفعه بعطف ما ليس بواجب عليه ; لأن للقائل أن يقول : خرج بدليل ، فبقي ما عداه على الأصل . وأما حديث أوس الثقفي فليس فيه أيضا إلا الاستدلال بالاقتران . وأما حديث فلا نسلم أنها إذا زالت العلة زال الوجوب مسندين ذلك بوجوب السعي مع زوال العلة التي شرع لها ، وهي إغاظة المشركين ، وكذلك وجوب الرمي مع زوال ما شرع له ، وهو ظهور الشيطان بذلك المكان ، وكم لهذا من نظائر لو تتبعت لجاءت في رسالة مستقلة ، قال في الفتح : وأجيب عن حديث عائشة بأنه ليس في نفي الوجوب ، وبأنه سابق على الأمر به ، والإعلام بوجوبه به ، وبهذا يتبين لك عدم انتهاض ما جاء به الجمهور من الأدلة على عدم الوجوب ، وعدم إمكان الجمع بينها وبين أحاديث الوجوب ; لأنه وإن أمكن بالنسبة إلى الأوامر لم يكن بالنسبة إلى لفظ واجب وحق إلا بتعسف لا يلجئ طلب الجمع إلى مثله ، ولا يشك من له أدنى إلمام بهذا الشأن أن أحاديث الوجوب أرجح من الأحاديث القاضية بعدهما ; لأن أوضحها دلالة على ذلك حديث عائشة سمرة ، وهو غير سالم من مقال وسنبينه .
وأما بقية الأحاديث فليس فيها إلا مجرد استنباطات واهية ، وقد دل حديث الباب أيضا على ، والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه ، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال . اشتراط الاتصال بين الغسل والرواح ، وإليه ذهب تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة . والثاني : عدم الاشتراط لكن لا يجزي فعله بعد صلاة الجمعة ، ويستحب تأخيره إلى الذهاب ، وإليه ذهب الجمهور . والثالث : أنه لا يشترط تقديم الغسل على صلاة الجمعة بل لو اغتسل قبل الغروب أجزأ عنه ، وإليه ذهب مالك ، ونصره داود ، واستبعده ابن حزم ابن دقيق العيد ، وقال : يكاد يجزم ببطلانه ، وادعى الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة لم يغتسل للجمعة ، واستدل ابن عبد البر بحديث الباب ونحوه . مالك
واستدل الجمهور بالأحاديث التي أطلق فيها يوم الجمعة ، لكن استدل الجمهور على عدم الاجتزاء به بعد الصلاة بأن الغسل لإزالة الروائح الكريهة ، والمقصود عدم تأذي الحاضرين ، وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة . والظاهر ما ذهب إليه وداود ; لأن حمل الأحاديث التي أطلق فيها اليوم على حديث الباب المقيد بساعة من ساعاته واجب . والمراد بالجمعة اسم سبب الاجتماع ، وهو الصلاة لا اسم [ ص: 293 ] اليوم كذا قيل ، وفي القاموس والجمعة المجموعة ويوم الجمعة ، وقيل : إنما سمي يوم الجمعة ; لأن خلق مالك آدم جمع فيه ، أخرجه أحمد وغيرهما من حديث وابن خزيمة سليمان . وله شاهد من حديث ، أخرجه أبي هريرة بإسناد ضعيف ، أحمد وابن أبي حاتم بسند قوي موقوف .
قال الحافظ : إن هذا أصح الأقوال ، ولكنه لا يصح أن يراد في الحديث إلا الصلاة ; لأن اليوم لا يؤتى ، وكذلك غيره ، وأخرج ابن خزيمة وغيرهما مرفوعا : { وابن حبان } زاد من أتى الجمعة فليغتسل { ابن خزيمة } . ومن لم يأتها فلا يغتسل
310 - ( وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي سعيد } . متفق عليه ) . وقد اتفق السبعة على إخراج قوله : " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " . قوله : ( وأن يمس ) يجوز فتح الميم وضمها ، وزاد في رواية غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه وغيره { لمسلم } ولو من طيب المرأة
وهو المكروه للرجال ، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه . فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره ، وهو يدل على تأكده . وقوله : ( ما يقدر عليه ) قال القاضي عياض : محتمل لتكثيره ، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله بما أمكنه . والحديث يدل على وجوب غسل يوم الجمعة للتصريح فيه بلفظ : واجب . وقد استدل به على عدم الوجوب باعتبار اقترانه بالسواك ومس الطيب . قال رحمه الله تعالى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول : حقك علي واجب ، والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالإجماع ، وهو السواك والطيب انتهى . المصنف
وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك ، وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر ، وأما صرف لفظ واجب وحق فلا ، والكلام قد سبق مبسوطا في الذي قبله .
311 - ( وعن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } . متفق عليه ) . الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة ، وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب ، وقد تبين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة . حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده
312 - ( وعن { ابن عمر بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل [ ص: 294 ] من عمر المهاجرين الأولين ، فناداه : أية ساعة هذه ؟ فقال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت ، قال : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل عمر } . متفق عليه ) . الرجل المذكور هو أن عثمان كما بين في رواية وغيره ، قال لمسلم : ولا أعلم خلافا في ذلك . ابن عبد البر
قوله : ( أية ساعة هذه ) قال ذلك توبيخا له وإنكارا لتأخره إلى هذا الوقت .
قوله : ( الوضوء أيضا ) هو منصوب أي توضأت الوضوء ، قاله الأزهري وغيره ، فيه إنكار ثان مضافا إلى الأول أي الوضوء أيضا اقتصرت عليه ، واخترته دون الغسل . والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل ، واقتصرت على الوضوء .
وجوز . القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف ، أي والوضوء أيضا يقتصر عليه . قال في الفتح : وأغرب السهيلي فقال : اتفق الرواة على الرفع ; لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا ينكر ، وجوابه ما تقدم . والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله : ( كان يأمر ) ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، وفيه استحباب تفقد الإمام لرعيته ، وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة ، وإن كان كبير القدر ، وجواز الإنكار في مجمع من الناس ، وجواز الكلام في الخطبة ، وحسن الاعتذار إلى ولاة الأمر .
وقد استدل بهذه القصة على عدم وجوب غسل الجمعة ، قد عرفناك فيما سبق عدم صلاحيتها لذلك .
313 - ( وعن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : { سمرة بن جندب } . رواه الخمسة إلا من توضأ للجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فذلك أفضل فإنه رواه من حديث ابن ماجه ) . الحديث أخرجه جابر بن سمرة ، وحسنه ابن خزيمة الترمذي ، وقد روي عن عن قتادة الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . قال في الإمام : من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث ، وهو مذهب ، كما نقله عنه علي بن المديني البخاري والترمذي وغيرهم ، وقيل : لم يسمع منه إلا حديث العقيقة ، وهو قول والحاكم وغيره ، وقيل : لم يسمع منه شيئا ، وإنما يحدث من كتابه . البزار
وروي من طريق الحسن عن ، أخرجه أبي هريرة ، وهو وهم كما قال الحافظ . البزار
وروي من طريق عن قتادة الحسن عن . ومن [ ص: 295 ] طريق جابر إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن . قال الحافظ : وهذا الاختلاف فيه على أنس الحسن وعلى لا يضر لضعف من وهم فيه ، والصواب كما قال قتادة عن الدارقطني عن قتادة الحسن عن سمرة وكذا قال . ورواه العقيلي بسند ضعيف عن ابن ماجه . رواه أنس من حديثه في الأوسط بإسناد أمثل من الطبراني . ورواه ابن ماجه بإسناد فيه نظر من حديث البيهقي ، وبإسناد فيه انقطاع من حديث ابن عباس . ورواه جابر عبد بن حميد في مسنديهما . وكذلك والبزار من حديثه بإسناد فيه ضعف من حديث إسحاق بن راهويه . وله طريق أخرى في التمهيد فيها أبي سعيد الربيع بن بدر وهو ضعيف .
والحديث دليل لمن قال بعدم وجوب غسل الجمعة ، وقد ذكرنا تقرير الاستدلال به على ذلك ، والجواب عليه أول الباب .
قوله : ( فبها ونعمت ) قال الأزهري : معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة ، قال : إنما ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة ، وقال الأصمعي : ونعمت الخصلة . وقيل : ونعمت الرخصة ; لأن السنة الغسل ، قاله الخطابي أبو حامد الشاركي وقال بعضهم : فبالفريضة أخذ ، ونعمت الفريضة .
314 - ( وعن عروة عن قالت : { عائشة العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم ، وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا } . متفق عليه ) . كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن
قوله : ( ينتابون الجمعة ) أي يأتونها ، والعوالي هي القرى التي حول المدينة على أربعة أميال منها .
قوله : ( في العباء ) هو بالمد وفتح العين المهملة : جمع عباءة بالمد وعباية بالياء لغتان مشهورتان . قوله : ( لو أنكم تطهرتم ) لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ، أو للشرط ، والجواب محذوف تقديره لكان حسنا . الحديث استدل به من قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد قدمنا تقرير الاستدلال به ، والجواب عليه في أول الباب .
315 - ( وعن أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { } . رواه الخمسة ولم يذكر من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها الترمذي : " ومشى ولم يركب " ) الحديث حسنه الترمذي ، وسكت عليه أبو داود ، وقد اختلف فيه على [ ص: 296 ] والمنذري أبي الأشعث ، وعلى عبد الرحمن بن يزيد ، وعلى ، وقد رواه عبد الله بن المبارك بإسناد ، قال الطبراني العراقي : حسن عن أوس المذكور ، ورواه في مسنده عنه عن أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم . عبد الله بن عمرو
قوله : ( غسل ) روي بالتخفيف والتشديد ، قيل أراد غسل رأسه ، واغتسل أي غسل سائر بدنه ، وقيل : جامع زوجته فأوجب عليها الغسل ، فكأنه غسلها واغتسل في نفسه ، وقيل : كرر ذلك للتأكيد ، ويرجح التفسير الأول ما في رواية أبي داود في هذا الحديث بلفظ : { } ، وما في من غسل رأسه واغتسل عن البخاري قال : قلت طاوس : ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لابن عباس } الحديث ، وقال صاحب المحكم : غسل امرأته يغسلها غسلا أكثر نكاحها . وقال : اغتسلوا واغسلوا رءوسكم ويقال : غسل المرأة بالتخفيف والتشديد إذا جامعها ، وحكاه صاحب النهاية وغيره أيضا ، وقيل : المراد غسل أعضاء الوضوء ، واغتسل للجمعة ، وقيل : غسل ثيابه واغتسل لجسده . الزمخشري
قوله : ( بكر ) بالتشديد على المشهور ، أي راح في أول الوقت وابتكر أي أدرك أول الخطبة ، ورجحه العراقي ، وقيل : كرره للتأكيد .
وبه جزم ابن العربي والحديث يدل على مشروعية الغسل يوم الجمعة وقد تقدم الخلاف فيه ، وعلى مشروعية التبكير ، والمشي والدنو من الإمام ، والاستماع وترك اللغو ، وإن الجمع بين هذه الأمور سبب لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل . .