الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في العجماء جرحها جبار

                                                                                                          1377 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني وعبادة بن الصامت قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح حدثنا الأنصاري عن معن قال أخبرنا مالك بن أنس وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار يقول هدر لا دية فيه قال أبو عيسى ومعنى قوله العجماء جرحها جبار فسر ذلك بعض أهل العلم قالوا العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها والمعدن جبار يقول إذا احتفر الرجل معدنا فوقع فيه إنسان فلا غرم عليه وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها وفي الركاز الخمس والركاز ما وجد في دفن أهل الجاهلية فمن وجد ركازا أدى منه الخمس إلى السلطان وما بقي فهو له

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( العجماء ) بفتح العين ممدودا سميت عجماء ؛ لأنها لا تتكلم ( جرحها ) بضم الجيم وفتحها ، فبالفتح مصدر وبالضم الاسم ( جبار ) بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي : هدر لا شيء فيه ( والبئر ) بالهمزة ويبدل ( جبار ) فمن حفر بئرا في أرضه ، أو في أرض المباح وسقط فيه رجل لا قود ، ولا عقل على الحافر ، وكذلك المعدن قاله القاري . ( والمعدن جبار ) ليس المراد أنه لا زكاة فيه ، وإنما المعنى أن من استؤجر للعمل في معدن مثلا فهلك فهو هدر ، ولا شيء على من استأجره . ( وفي الركاز الخمس ) الركاز بكسر الراء وتخفيف الكاف وآخره زاي المال المدفون مأخوذ من الركز بفتح الراء يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه فهو مركوز قوله : ( وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني وعبادة بن الصامت ) لينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة .

                                                                                                          قوله : ( فالركاز ما وجد من دفن الجاهلية ) بكسر الدال [ ص: 523 ] المهملة وسكون الفاء بمعنى المدفون كالذبح بمعنى المذبوح ، وأما بالفتح فهو المصدر ، ولا يراد هنا ( فمن وجد ركازا أدى منه الخمس ) قال البخاري في صحيحه قال مالك ، وابن إدريس : الركاز دفن الجاهلية في قليله وكثيره الخمس ، وليس المعدن بركاز ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " في المعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " . انتهى ، قال الحافظ : قوله في قليله وكثيره الخمس فهو قوله في القديم كما نقله ابن المنذر واختاره ، وأما في الجديد فقال لا يجب فيه الخمس حتى يبلغ نصاب الزكاة ، الأول قول الجمهور ، وهي مقتضى ظاهر الحديث ، قوله : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " في المعدن جبار ، وفي الركاز الخمس أي : فغاير بينهما " . انتهى ، قال البخاري : وقال بعض الناس : المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية ؛ لأنه يقال ركز المعدن إذا أخرج منه شيء ، قيل له : فقد يقال لمن وهب له الشيء وربح ربحا كثيرا وكثر ثمره : أركزت ، ثم ناقضه ، وقال لا بأس أنه يكتمه ، ولا يؤدي الخمس . انتهى .

                                                                                                          قال الحافظ : قوله : وقال بعض الناس إلخ قال ابن التين المراد ببعض الناس أبو حنيفة قال الحافظ : ويحتمل أن يريد به أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك ، قال ابن بطال : ذهب أبو حنيفة والثوري ، وغيرهما إلى أن المعدن كالركاز واحتج لهم بقول العرب أركز الرجل إذا أصاب ركازا ، وهي قطع من الذهب تخرج من المعادن ، والحجة للجمهور تفرقة النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف . فصح أنه غيره ، وقال ، وما ألزم به البخاري القائل المذكور قد يقال لمن وهب له الشيء ، أو ربح ربحا كثيرا ، أو كثر ثمره أركزت حجة بالغة ؛ لأنه لا يلزم من الاشتراك في الأسماء الاشتراك في المعنى إلا إن أوجب لك من يجب التسليم له ، وقد أجمعوا على أن المال الموهوب لا يجب فيه الخمس ، وإن كان يقال له أركز فكذلك المعدن ، وأما قوله : ثم ناقض إلخ فليس كما قال ، وإنما أجاز له أبو حنيفة أن يكتمه إذا كان محتاجا بمعنى أنه يتأول أن له حقا في بيت المال ونصيبا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضا عن ذلك ؛ لأنه أسقط الخمس عن المعدن . انتهى ، وقد نقل الطحاوي المسألة التي ذكرها ابن بطال ونقل أيضا أنه لو وجد في داره معدنا فليس عليه شيء ، وبهذا يتجه اعتراض البخاري ، والفرق بين المعدن والركاز في الوجوب وعدمه أن المعدن يحتاج إلى عمل ومؤنة ومعالجة لاستخراجه بخلاف الركاز ، وقد جرت عادة الشرع أن ما غلظت مؤنته خفف عنه في قدر الزكاة ، [ ص: 524 ] ، وما خففت زيد فيه .

                                                                                                          ، وقيل إنما جعل في الركاز الخمس ؛ لأنه مال كافر فنزل من وجده منزلة الغنائم فكان له أربعة أخماسه . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية