الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله عز وجل : وكم قصمنا من قرية نوع تفصيل لإجمال قوله تعالى : وأهلكنا المسرفين وبيان لكيفية إهلاكهم وتنبيه على كثرتهم فكم خبرية مفيدة للتكثير محلها النصب على أنها مفعول ل ( قصمنا ) و ( من قرية ) تمييز ، وفي لفظ القصم الذي هو عبارة عن الكسر بتفريق الأجزاء وإذهاب التئامها بالكلية كما يشعر به الإتيان بالقاف الشديدة من الدلالة على قوة الغضب وشدة السخط ما لا يخفى ، وقوله تعالى : كانت ظالمة صفة ( قرية ) وكان الأصل على ما قيل أهل قرية ينبئ عنه الضمير الآتي إن شاء الله تعالى فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فوصف بما هو من صفات المضاف أعني الظلم فكأنه قيل وكثيرا قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين بآيات الله تعالى كافرين بها مثلكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الكشاف المراد بالقرية أهلها ولذلك وصفت بالظلم فيكون التجور في الطرف ، وقال بعضهم : لك أن تقول وصفها بذلك على الإسناد المجازي وقوله : قصمنا من قرية كناية عن قصم أهلها للزوم إهلاكها إهلاكهم فلا مجاز ولا حذف ، وأيا ما كان فليس المراد قرية معينة ، وأخرج ابن المنذر ، وغيره عن الكلبي أنها حضور قرية باليمن ، وأخرج ابن مردويه من طريقه عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال بعث الله تعالى نبيا من حمير يقال له شعيب فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء وفيهم أنزل الله تعالى : وكم قصمنا إلخ وفي البحر أن هؤلاء كانوا بحضور وأن الله تعالى بعث إليهم نبيا فقتلوه فسلط الله تعالى عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس بعث إليهم جيشا فهزموه ثم بعث إليهم آخر فهزموه فخرج إليهم بنفسه فهزمهم وقتلهم ، وعن بعضهم أنه كان اسم هذا النبي موسى بن ميشا ، وعن ابن وهب أن الآية في قريتين باليمن إحداهما حضور والأخرى قلابة بطر أهلهما فأهلكهم الله تعالى على يد بختنصر ، ولا يخفى أنه مما يأباه ظاهر الآية والقول بأنها من قبيل قولك كم أخذت من دراهم زيد على أن الجار متعلق بأخذت والتمييز محذوف أي كم درهم أخذت من دراهم زيد ، ويقال هنا إنها بتقدير كم ساكن قصمنا من ساكني قرية أو نحو ذلك مما لا ينبغي أن يلتفت إليه إلا بالرد عليه ، فلعل ما في الروايات محمول [ ص: 16 ] على سبيل التمثيل ، ومثل ذلك غير قليل ، وفي قوله سبحانه : وأنشأنا بعدها أي بعد إهلاك أهلها لا بعد تلك الفعلة كما توهم قوما آخرين أي ليسوا منهم في شيء تنبيه على استئصال الأولين وقطع دابرهم بالكلية وهو السر في تقديم حكاية إنشاء هؤلاء على حكاية مبادي إهلاك أولئك بقوله سبحانه :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية