الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 398 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قالت يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ( 72 ) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ( 73 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت سارة لما بشرت بإسحاق أنها تلد ، تعجبا مما قيل لها من ذلك ، إذ كانت قد بلغت السن التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء

وقيل : إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة . وقد ذكرت الرواية فيما روي في ذلك عن مجاهد قبل .

وأما ابن إسحاق ، فإنه قال في ذلك ما : -

18330 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كانت سارة يوم بشرت بإسحاق ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ، ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة .

( يا ويلتا ) وهي كلمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء والاستنكار للشيء ، فيقولون عند التعجب : "ويل أمه رجلا ما أرجله" !

وقد اختلف أهل العربية في هذه الألف التي في : ( يا ويلتا ) .

فقال بعض نحويي البصرة : هذه ألف حقيقة ، إذا وقفت قلت : "يا ويلتاه" ، [ ص: 399 ] وهي مثل ألف الندبة ، فلطفت من أن تكون في السكت ، وجعلت بعدها الهاء لتكون أبين لها ، وأبعد في الصوت . ذلك لأن الألف إذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في جوف الشيء فيتردد فيه ، فتكون أكثر وأبين .

وقال غيره : هذه ألف الندبة ، فإذا وقفت عليها فجائز ، وإن وقفت على الهاء فجائز ، وقال : ألا ترى أنهم قد وقفوا على قوله : ( ويدعو الإنسان ) ، [ سورة الإسراء : 11 ] ، فحذفوا الواو وأثبتوها ، وكذلك : ( ما كنا نبغي ) ، [ سورة الكهف : 64 ] ، بالياء ، وغير الياء؟ قال : وهذا أقوى من ألف الندبة وهائها .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن هذه الألف ألف الندبة ، والوقف عليها بالهاء وغير الهاء جائز في الكلام لاستعمال العرب ذلك في كلامهم .

وقوله : ( أألد وأنا عجوز ) ، تقول : أنى يكون لي ولد ( وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا ) ، والبعل في هذا الموضع : الزوج ، وسمي بذلك لأنه قيم أمرها ، كما سموا مالك الشيء "بعله" ، وكما قالوا للنخل التي تستغني بماء السماء عن سقي ماء الأنهار والعيون "البعل" ، لأن مالك الشيء القيم به ، والنخل البعل ، بماء السماء حياته .

وقوله ( إن هذا لشيء عجيب ) ، يقول : إن كون الولد من مثلي ومثل بعلي على السن التي بها نحن لشيء عجيب ( قالوا أتعجبين من أمر الله ) ، [ ص: 400 ] يقول الله تعالى ذكره : قالت الرسل لها : أتعجبين من أمر أمر الله به أن يكون ، وقضاء قضاه الله فيك وفي بعلك .

وقوله : ( رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ) ، يقول : رحمة الله وسعادته لكم أهل بيت إبراهيم وجعلت الألف واللام خلفا من الإضافة وقوله : ( إنه حميد مجيد ) ، يقول : إن الله محمود في تفضله عليكم بما تفضل به من النعم عليكم وعلى سائر خلقه ( مجيد ) ، يقول : ذو مجد ومدح وثناء كريم .

يقال في "فعل" منه : "مجد الرجل يمجد مجادة " إذا صار كذلك ، وإذا أردت أنك مدحته قلت : "مجدته تمجيدا" .

التالي السابق


الخدمات العلمية