الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ( 78 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وجاء لوطا قومه يستحثون إليه ، يرعدون مع سرعة المشي ، مما بهم من طلب الفاحشة .

يقال : "أهرع الرجل " ، من برد أو غضب أو حمى ، إذا أرعد ، "وهو مهرع" ، إذا كان معجلا حريصا ، كما قال الراجز : [ ص: 412 ]


بمعجلات نحوه مهارع



ومنه قول مهلهل :


فجاءوا يهرعون وهم أسارى     نقودهم على رغم الأنوف



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18361 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون ، وهو الإسراع في المشي .

18362 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

18363 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

18364 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يسعون إليه .

18365 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : قال : فأتوه يهرعون إليه ، يقول : سراعا إليه .

18366 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( يهرعون إليه ) ، قال : يسرعون إليه .

18367 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : يسرعون المشي إليه .

18368 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يحيى بن [ ص: 413 ] زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، قال : يهرولون في المشي قال سفيان : ( يهرعون إليه ) ، يسرعون إليه .

18369 - حدثنا سوار بن عبد الله قال ، قال سفيان بن عيينة في قوله : ( يهرعون إليه ) ، قال : كأنهم يدفعون .

18370 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب قال ، حدثنا حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية قال ، أقبلوا يسرعون مشيا بين الهرولة والجمز .

18371 - حدثني علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ) ، يقول : مسرعين .

وقوله : ( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، يقول : من قبل مجيئهم إلى لوط ، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم ، كما : -

18372 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) ، قال : يأتون الرجال .

وقوله : ( قال يا قوم هؤلاء بناتي ) ، يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه لما جاؤوه يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكحوهن فهن أطهر لكم ، كما : -

18373 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم لوط بتزويج النساء وقال : ( هن أطهر لكم ) .

18374 - حدثنا محمد قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : وبلغني هذا أيضا عن مجاهد .

18375 - حدثنا ابن وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : ( قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : لم تكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكل نبي أبو أمته .

18376 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحا .

18377 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا أبو بشر ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : ( هن أطهر لكم ) ، قال : ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا .

18378 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) قال : أمرهم أن يتزوجوا النساء ، وأراد نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يقي أضيافه ببناته .

18379 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو جعفر عن الربيع ، في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج حدثني أبو جعفر ، عن الربيع في قوله : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني التزويج .

18380 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو النعمان عارم قال ، حدثنا حماد بن زيد قال ، حدثنا محمد بن شبيب الزهراني ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قول لوط : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، يعني : نساءهم ، هن بناته ، هو نبيهم وقال في بعض القراءة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم ) ، [ سورة الأحزاب : 6 ] . [ ص: 415 ]

18381 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وجاءه قومه يهرعون ) ، قالوا : أو لم ننهك أن تضيف العالمين؟ قال : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) ، إن كنتم فاعلين ، أليس منكم رجل رشيد؟

18382 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه . فيزعمون ، والله أعلم ، أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قط منهم ! وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاؤوه قالوا : أو لم ننهك عن العالمين؟ أي : ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة؟ قال : "يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم" ، فأنا أفدي ضيفي منكم بهن ، ولم يدعهم إلا إلى الحلال من النكاح .

18383 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( هؤلاء بناتي ) ، قال : النساء .

واختلفت القراة في قراءة قوله : ( هن أطهر لكم ) .

فقرأته عامة القرأة برفع : ( أطهر ) ، على أن جعلوا "هن" اسما ، "وأطهر" خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال .

وذكر عن عيسى بن عمر البصري أنه كان يقرأ ذلك : ( هن أطهر لكم ) ، بنصب "أطهر" .

وكان بعض نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة . [ ص: 416 ]

وكان بعض نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : "هن" عمادا للفعل فلا يعمله .

وقال آخر منهم : مسموع من العرب : "هذا زيد إياه بعينه" ، قال : فقد جعله خبرا ل "هذا" مثل قولك : "كان عبد الله إياه بعينه" . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا ، لأن التقريب رد كلام ، فلم يجتمعا ، لأنه يتناقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : "ها أنا ذا حاضر" ، أو : "زيد هو العالم" ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .

قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك ، الرفع : ( هن أطهر لكم ) ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه ، مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .

وقوله : ( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : فاخشوا الله ، أيها الناس ، واحذروا عقابه ، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها ( ولا تخزون في ضيفي ) ، يقول : ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم .

و"الضيف " ، في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع . والعرب تسمي الواحد والجمع "ضيفا" بلفظ واحد . كما قالوا : "رجل عدل ، وقوم عدل" . [ ص: 417 ]

وقوله : ( أليس منكم رجل رشيد ) ، يقول : أليس منكم رجل ذو رشد ، ينهى من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك؟ كما : -

18384 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) ، أي رجل يعرف الحق وينهى عن المنكر؟

التالي السابق


الخدمات العلمية