الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( 84 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأرسلنا إلى ولد مدين أخاهم شعيبا ، فلما أتاهم قال : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ، يقول : أطيعوه ، وتذللوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ( ما لكم من إله غيره ) ، يقول : ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره ( ولا تنقصوا المكيال والميزان ) ، يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ( إني أراكم بخير ) .

واختلف أهل التأويل في "الخير" الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين إنه يراهم به .

فقال بعضهم : كان ذلك رخص السعر وحذرهم غلاءه . [ ص: 444 ]

ذكر من قال ذلك :

18467 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا عبد الله بن داود الواسطي قال ، حدثنا محمد بن موسى ، عن الذيال بن عمرو ، عن ابن عباس : ( إني أراكم بخير ) ، قال : رخص السعر ( وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) ، قال : غلاء سعر .

18468 - حدثني أحمد بن عمرو البصري قال ، حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا صالح بن رستم ، عن الحسن ، وذكر قوم شعيب قال : ( إني أراكم بخير ) ، قال : رخص السعر .

18469 - حدثني محمد بن عمرو بن علي قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبي عامر الخراز ، عن الحسن في قوله : ( إني أراكم بخير ) قال : الغنى ورخص السعر .

وقال آخرون : عنى بذلك : إني أرى لكم مالا وزينة من زين الدنيا .

ذكر من قال ذلك : -

18470 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( إني أراكم بخير ) ، قال : يعني خير الدنيا وزينتها .

18471 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة [ ص: 445 ] قوله : ( إني أراكم بخير ) ، أبصر عليهم قشرا من قشر الدنيا وزينتها .

18472 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( إني أراكم بخير ) ، قال : في دنياكم ، كما قال الله تعالى : ( إن ترك خيرا ) ، سماه " خيرا" لأن الناس يسمون المال "خيرا " .

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه ، وذلك قوله : ( إني أراكم بخير ) ، يعني بخير الدنيا . وقد يدخل في خير الدنيا ، المال وزينة الحياة الدنيا ، ورخص السعر ولا دلالة على أنه عني بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض ، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها .

وإنما قال ذلك شعيب ، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم ، كثيرة أموالهم ، فقال لهم : لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم ، فقد وسع الله عليكم رزقكم ، ( وإني أخاف عليكم ) ، بمخالفتكم أمر الله ، وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم ( عذاب يوم محيط ) ، يقول : أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه . فجعل "المحيط" نعتا لليوم ، وهو من نعت "العذاب" ، إذ كان مفهوما معناه ، وكان العذاب في اليوم ، فصار كقولهم : "بعض جبتك محترقة" .

التالي السابق


الخدمات العلمية