الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ التنبيه ] الثالث [ استثناء بعض الصور ]

                                                      إن القائلين بتكليفه ورجوع الفائدة لأحكام الدنيا استثنوا صورا لا يجري عليه فيها أحكام المسلمين ، لأجل عقيدتهم بإباحته في صور : منها : شرب الخمر لا يحدون به على المذهب لاعتقادهم إباحته . ومنها : لو غصب منه الخمر ردت عليه . ومنها : لا يمنع من لبس الحرير في الأصح .

                                                      ومنها : الحكم بصحة أنكحتهم على ما يعتقدون . ومنها : لا يمنع من لبس الحرير في الأصح . مساجدنا .

                                                      ومنها : أنه لا يحرم على الكافر الجنب اللبث في المسجد ، لأن الكفار كانوا يدخلون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويطيلون الجلوس ، ولا شك أنهم كانوا يجنبون . ويخالف المسلم ، فإنه يعتقد حرمة المسجد فيؤاخذ بموجب اعتقاده والكافر لا يعتقد حرمته ولا يلزم تفاصيل التكليف فجاز أن لا [ ص: 140 ] يؤاخذ به كذا علله الرافعي . ثم قال : وهذا كما أن الكافر لا يحد على شرب الخمر ، لأنه لا يعتقد تحريمه والمسلم يحد .

                                                      ومنها : تفضيل معاملتهم على معاملة المسلمين ، فإنا إذا قلنا : ليسوا مخاطبين كانت معاملتهم فيما أخذوه على خلاف القواعد الشرعية أخف من معاملة المسلم ، لأنه عاص بذلك العقد ، وقد نهاه الله عنه ولم ينه الكافر .

                                                      ولذلك قال الشيخ عز الدين : ما يأخذه الإفرنج من أموال بعضهم بعضا يملكونه بالقهر بخلاف أخذهم أموال المسلمين لا يملكونها بالقهر ، فيكون الحلال الذي بأيديهم أوسع من الحلال الذي بأيدي المسلمين .

                                                      وظهر بما ذكرنا أن الخلاف نشأ في هذه الفروع من كونه غير ملتزم لأحكام المسلمين لا من أنه مخاطب أو لا .

                                                      ولهذا قال الشيخ أبو محمد في " الفروق " : وقد جزم بجواز المكث في المسجد للجنب . فإن قيل : أليس الصحيح أنهم مخاطبون بالفروع كالمسلمين ؟

                                                      قلنا : التعظيم ينشأ ويتصور من أصل العقيدة ، والكافر غير معتقد سواء قلنا : إنهم مخاطبون أو لا ، وفائدة الخطاب زيادة عقوبتهم في الآخرة .

                                                      قلت : ولهذا إذا ترافعوا إلينا وفرعنا على وجوب الحكم بينهم وهو الأصح ، فإنا نجريهم على أحكامنا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية