الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

( كذا وقوف الخلق للحساب والصحف والميزان للثواب )

. [ ص: 168 ] ( كذا ) أي : كما يجب الجزم بالبعث والنشور والحشر بعد النفخ في الصور يجب أن نجزم جزما باتا بأمر ( وقوف الخلق ) من الإنس والجن والدواب والطير وغيرهم ، قال تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) وقال ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) وقال ( يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ) أي زمرا زمرا .

قال أبو هريرة - رضي الله عنه - إن الله تعالى يحشر الخلق كلهم من دابة وطائر وإنسان .

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) يحشر كل شيء حتى الذباب ليحشر .

والحاصل أن الله تعالى يجمع في ذلك اليوم الأولين والآخرين حتى لا يدري الشخص أين يضع قدمه لشدة الزحام .

وفي تفسير مكي : يحشر الخلق من دابة وطائر وإنسان ، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - فهم في ضيق مقامهم فيها كضيق سهام اجتمعت في كنانتها ، فالسعيد يومئذ من يجد لقدمه مقاما .

قال : وأكثر الأقدام يومئذ بعضها على بعض ، وقد ذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده عن وهب بن منبه قال :

إذا قامت الساعة صرخت الحجارة صراخ النساء ، وقطرت العضاة دما . واعلم أن ليوم الوقوف أهوالا عظيمة ، وشدائد جسيمة تذيب الأكباد وتذهل المراضع ، وتشيب الأولاد ، وهو حق ثابت ورد به الكتاب والسنة ، وانعقد عليه الإجماع ، وهو يوم القيامة .

وقد اختلف في تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ، قيل لكون الناس يقومون من قبورهم ، قال تعالى ( يوم يخرجون من الأجداث سراعا ) . وقيل : لوجود أمور المحشر والوقوف ونحوهما فيه .

وقيل : لقيام الناس لرب العالمين كما روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) قال يقوم الناس أحدهم في رشحه إلى نصف أذنيه . قال ابن عمر - رضي الله عنهما - يقومون مائة سنة .

ويروى عن كعب : يقومون ثلاثمائة سنة . وروى أبو يعلى بإسناد صحيح ، وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) مقدار نصف يوم من خمسين ألفا فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس للغروب [ ص: 169 ] إلى أن تغرب " . وروى الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) فقيل ما أطول هذا اليوم ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة " .

وروى ابن أبي الدنيا ، والطبراني من طرق أحدها صحيح ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد ، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

" يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء " . الحديث .

وعن أبي هريرة : يقومون سبعين سنة ، وقيل : مقداره ألف سنة ، رواه الطبراني من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا ، ولفظه : " أما مقام الناس بين يدي رب العالمين فألف سنة لا يؤذن لهم " .

وأخرج البيهقي عنه : يمكثون ألف عام في الظلمة يوم القيامة لا يتكلمون .

وقيل : إنما سمي يوم القيامة لقيام الملائكة والروح فيه صفا قال تعالى ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا ) قال القرطبي :

القيامة قيامتان ، صغرى وكبرى ، الصغرى ما تقوم على كل إنسان في خاصته من خروج روحه وانقطاع سعيه وحصوله على عمله ، والكبرى هي التي تعم الناس وتأخذهم أخذة واحدة ، والدليل على أن كل من مات قامت قيامته قول النبي - صلى الله عليه وسلم - - لقوم من الأعراب سألوه عن الساعة ، فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال " إن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم " رواه مسلم وغيره ، وقال الشاعر :

خرجت من الدنيا وقامت قيامتي     غداة أقل الحاملون جنازتي
وعجل أهلي حفر قبري وصيروا     خروجي وتعجيلي إليه كرامتي



التالي السابق


الخدمات العلمية