الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون لما ذكرهم الله بنعمه عليهم تذكيرا أدمج في خلال الرد على قولهم إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا بقوله " تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا " أعقبه بأن كل ما أوتوه من نعمة هو من متاع الحياة الدنيا كالأمن والرزق ، ومن زينتها كاللباس والأنعام والمال ، وأما ما عند الله من نعيم الآخرة من ذلك فأبقى لئلا [ ص: 154 ] يحسبوا أن ما هم فيه من الأمن والرزق هو الغاية المطلوبة ، فلا يتطلبوا ما به تحصيل النعيم العظيم الأبدي ، وتحصيله بالإيمان . ولا يجعلوا ذلك موازنا لاتباع الهدى ، وإن كان في اتباع الهدى تفويت ما هم فيه من أرضهم وخيراتها لو سلم ذلك . هذا وجه مناسبة هذه الآية لما قبلها .

و " من شيء " بيان لـ " ما أوتيتم " والمراد من أشياء المنافع كما دل عليه المقام ؛ لأن الإيتاء شائع في إعطاء ما ينفع .

وقد التفت الكلام من الغيبة من قوله أولم نمكن لهم حرما إلى الخطاب في قوله " أوتيتم " ؛ لأن ما تقدم من الكلام أوجب توجيه التوبيخ مواجهة إليهم .

والمتاع : ما ينتفع به زمنا ثم يزول .

والزينة : ما يحسن الأجسام .

والمراد بكون ما عند الله خيرا ، أن أجناس الآخرة خير مما أوتوه في كمال أجناسها ، وأما كونه أبقى فهو بمعنى الخلود .

وتفرع على هذا الخبر استفهام توبيخي وتقريري على عدم عقل المخاطبين ؛ لأنهم لما لم يستدلوا بعقولهم على طريق الخير نزلوا منزلة من أفسد عقله فسئلوا : أهم كذلك ؟ .

وقرأ الجمهور ( تعقلون ) بتاء الخطاب . وقرأ أبو عمرو ويعقوب ( يعقلون ) بياء الغيبة على الالتفات عن خطابهم لتعجب المؤمنين من حالهم ، وقيل : لأنهم لما كانوا لا يعقلون نزلوا منزلة الغائب لبعدهم عن مقام الخطاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية