الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 450 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ( 87 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال قوم شعيب : يا شعيب ، أصلواتك تأمرك أن نترك عبادة ما يعبد آباؤنا من الأوثان والأصنام ( أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) ، من كسر الدراهم وقطعها ، وبخس الناس في الكيل والوزن ( إنك لأنت الحليم ) ، وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لم يكن ليفعله في حال الرضى ، ( الرشيد ) ، يعني : رشيد الأمر في أمره إياهم أن يتركوا عبادة الأوثان ، كما : -

18487 - حدثنا محمود بن خداش قال ، حدثنا حماد بن خالد الخياط قال ، حدثنا داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم في قول الله : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ) قال : كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم أو قال : قطع الدراهم ، الشك من حماد .

18488 - حدثنا سهل بن موسى الرازي قال ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن [ ص: 451 ] أبي مودود قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : بلغني أن قوم شعيب عذبوا في قطع الدراهم ، وجدت ذلك في القرآن : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) .

18489 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي قال : عذب قوم شعيب في قطعهم الدراهم فقالوا : ( يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ) .

18490 - . . . . قال ، حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن داود بن قيس ، عن زيد بن أسلم في قوله : ( أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) ، قال : كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم .

18491 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد ) ، قال : نهاهم عن قطع الدنانير والدراهم فقالوا : إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء ، إن شئنا قطعناها ، وإن شئنا حرقناها ، وإن شئنا طرحناها !

18492 - . . . . قال وأخبرنا ابن وهب قال ، وأخبرني داود بن قيس المري : أنه سمع زيد بن أسلم يقول في قول الله : ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) ، قال زيد : كان من ذلك قطع الدراهم .

وقوله : ( أصلاتك ) ، كان الأعمش يقول في تأويلها ما : -

18493 - حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري عن [ ص: 452 ] الأعمش في قوله : ( أصلاتك ) قال : قراءتك .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ( أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) ، وإنما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا في أموالهم ما قد ذكرت أنه نهاهم عنه فيها؟

قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت . وقد اختلف أهل العربية في معنى ذلك .

فقال بعض البصريين : معنى ذلك : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء وليس معناه : تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نشاء ، لأنه ليس بذا أمرهم .

وقال بعض الكوفيين نحو هذا القول قال . وفيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي ، كأنه قال : أصلواتك تأمرك بذا ، وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة على أن الأولى منصوبة بقوله "تأمرك " ، وأن الثانية منصوبة عطفا بها على "ما" التي في قوله : ( ما يعبد ) . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معنى الكلام : أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، أو أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء .

وقد ذكر عن بعض القراء أنه قرأه ( ما تشاء ) .

قال أبو جعفر : فمن قرأ ذلك كذلك ، فلا مؤونة فيه ، وكانت "أن" الثانية حينئذ معطوفة على "أن" الأولى .

وأما قوله لشعيب : ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) فإنهم أعداء الله ، قالوا ذلك له استهزاء به ، وإنما سفهوه وجهلوه بهذا الكلام . [ ص: 453 ]

وبما قلنا من ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : -

18494 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) ، قال : يستهزئون .

18495 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) ، المستهزئون ، يستهزئون : بأنك لأنت الحليم الرشيد !

التالي السابق


الخدمات العلمية