الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال ياقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط ( 92 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قال شعيب لقومه : يا قوم ، أعززتم قومكم ، فكانوا أعز عليكم من الله ، واستخففتم بربكم ، فجعلتموه خلف ظهوركم ، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه ، ولا تعظمونه حق عظمته؟

يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل : "نبذ حاجته وراء ظهره" ، أي : تركها لا يلتفت إليها . و إذا قضاها قيل : "جعلها أمامه ، ونصب عينيه " ، ويقال : "ظهرت بحاجتي " و"جعلتها ظهرية" ، أي : خلف ظهرك ، كما قال الشاعر :


وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر



بمعنى : أنهم يظهرون بحوائج الناس فلا يلتفتون إليها . [ ص: 460 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

18515 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله ، وصغر شأن الله عندهم ، عز ربنا وجل .

18516 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : قفا .

18517 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم ، وأظهرتم بربكم .

18518 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، يقول : عززتم قومكم وأظهرتم بربكم .

18519 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : لم تراقبوه في شيء ، إنما تراقبون قومي ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، لا تخافونه

18520 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( أرهطي أعز عليكم من الله ) ، قال : أعززتم قومكم ، واغتررتم بربكم ، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال : قال سفيان : [ ص: 461 ] ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، كما يقول الرجل للرجل : "خلفت حاجتي خلف ظهرك" ، ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، استخففتم بأمره . فإذا أراد الرجل قضاء حاجة صاحبه جعلها أمامه بين يديه ، ولم يستخف بها .

18521 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : "الظهري" ، الفضل ، مثل الجمال يخرج معه بإبل ظهارية ، فضل ، لا يحمل عليها شيئا ، إلا أن يحتاج إليها . قال : فيقول : إنما ربكم عندكم مثل هذا ، إن احتجتم إليه . وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء .

وقال آخرون : معنى ذلك : واتخذتم ما جاء به شعيب وراءكم ظهريا فالهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب .

ذكر من قال ذلك :

18522 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : تركتم ما جاء به شعيب

18523 - . . . . قال ، حدثنا جعفر بن عون ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد قال : نبذوا أمره .

18524 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : نبذتم أمره .

18525 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، [ ص: 462 ] قال : هم رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريا .

18526 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال

18527 - . . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، قال : استثناؤهم رهط شعيب ، وتركهم ما جاء به شعيب وراء ظهورهم ظهريا .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لقرب قوله : ( واتخذتموه وراءكم ظهريا ) ، من قوله : ( أرهطي أعز عليكم من الله ) فكانت الهاء في قوله : ( واتخذتموه ) ، بأن تكون من ذكر الله ، لقرب جوارها منه ، أشبه وأولى .

وقوله : ( إن ربي بما تعملون محيط ) ، يقول : إن ربي محيط علمه بعملكم ، فلا يخفى عليه منه شيء ، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية