الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 61 ] فصل ( في عدم صحة توبة المصر ، وكيفية التوبة من الذنوب )

ولا تصح التوبة من ذنب أصر على مثله . ولا يقال للتائب ظالم ولا مسرف ، ولا تصح من حق الآدمي ، ذكره في المستوعب والشرح وقدمه في الرعاية . وقطع به ابن عقيل في الإرشاد وفي الفصول وهو الذي ذكره النووي في رياض الصالحين عن العلماء ونص عليه أحمد

قال عبد الله : سألت أبي عن رجل اختان من رجل مالا ، ثم أنفقه ، وأتلفه ، ثم إنه ندم على ما فعل وتاب وليس عنده ما يؤدي فهل يكون في ندمه وتوبته ما يرجى له به إن مات على فقره خلاص مما عليه ؟ فقال أبي : لا بد لهذا الرجل من أن يؤدي الحق وإن مات فهو واجب عليه .

وقال في رواية محمد بن الحكم فيمن غصب أرضا : لا يكون تائبا حتى يردها على صاحبها ، إن علم شيئا باقيا من السرقة ردها عليه أيضا ، وقال فيمن أخذ من طريق المسلمين : توبته أن يرد ما أخذ . فإن ورثه رجل ، فقال في موضع لا يكون عدلا حتى يرد ما أخذ وقال في موضع : هذا أهون ، ليس هو أخرجه ، وأعجب إلي أن يرده .

وقال أحمد في رواية صالح فيمن ترك الصلاة وسأله صالح توبته أن يصلي ؟ قال : نعم ، وقيل : بلى والله تعالى يعوض المظلوم قاله ابن عقيل .

وقال في الهداية ومظالم العباد تصح التوبة منها على الصحيح في المذهب وهو قول ابن عباس ، ومن مات نادما عليها كان الله عز وجل المجازي للمظلوم عنه كما ورد في الخبر { لا يدخل النار تائب من ذنبه } .

وقال في الرعاية الكبرى فعلى المنع يرد ما أثم به وتاب بسببه ، أو بذله إلى مستحقه أو ينوي ذلك إذا أمكنه وتعذر رده في الحال وأخر ذلك برضاء مستحقه ، وأن يستحل من الغيبة والنميمة ونحوهما قال ابن أبي الدنيا : [ ص: 62 ] حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا أسباط عن أبي رجاء الخراساني عن عباد بن كثير عن الحريري عن أبي نضرة عن جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إياكم والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا ، فإن الرجل قد يزني فيتوب فيتوب الله عز وجل عليه ، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه } عباد ضعيف وأبو رجاء قال العقيلي : منكر الحديث ثم ذكر حديثه { موت الغريب شهادة } .

وقيل إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه قول الأكثرين ، وذكر غير واحد : إن تاب من قذف إنسان أو غيبته قبل علمه به هل يشترط لتوبته إعلامه والتحليل منه ؟ على روايتين ، واختار القاضي أنه لا يلزمه لما روى أبو محمد الخلال بإسناده عن أنس مرفوعا { من اغتاب رجلا ثم استغفر له من بعد غفر له غيبته } وبإسناده عن أنس مرفوعا { كفارة من اغتاب أن يستغفر له } ولأن في إعلامه إدخال غم عليه قال القاضي : فلم يجز ذلك وكذا قال الشيخ عبد القادر رضي الله عنه : إن كفارة الاغتياب ما روى أنس وذكره ، وخبر أنس المذكور ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وفيه عنبسة بن عبد الرحمن متروك وذكر مثله من حديث سهل بن سعيد وفيه سلمان بن عمرو كذاب ، ومن حديث جابر وفيه حفص بن عمر الأيلي متروك .

وذكر أيضا حديث أنس في الحدائق وقال : إنه لا يذكر فيها إلا الحديث الصحيح وقال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس : قال حذيفة رضي الله عنه : كفارة من اغتبته أن تستغفر له .

وقال عبد الله بن المبارك لسفيان بن عيينة : التوبة من الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته . فقال سفيان : بل تستغفر مما قلت فيه ، فقال ابن المبارك : لا تؤذوه مرتين .

ومثل قول ابن المبارك اختاره الشيخ تقي الدين بن الصلاح الشافعي في فتاويه .

وقال الشيخ تقي الدين بعد أن ذكر الروايتين في المسألة المذكورة قال : فكل مظلمة في العرض من اغتياب صادق وبهت كاذب فهو في معنى القذف إذ القذف قد يكون صدقا فيكون في المغيب غيبة [ ص: 63 ] وقد يكون كذبا فيكون بهتا ، واختار أصحابنا أنه لا يعلمه بل يدعو له دعاء يكون إحسانا إليه في مقابلة مظلمته كما روي في الأثر .

وعن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم { أيما مسلم شتمته أو لعنته ، أو سببته أو جلدته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه إليك يوم القيامة } وهذا صحيح المعنى من وجه كذا قال وهذا المعنى في المسند والصحيحين وغيرهم وفيه اشتراط ذلك على ربه وفيه { إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر } . وقال أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه حدثنا السميط عن أبي السوار العدوي عن خاله قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأناس يتبعونه قال فاتبعته معهم قال ففجأني القوم يسعون وأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني ضربة إما بعسيب أو قضيب أو سواك أو شيء كان فوالله ما أوجعني قال : فبت ليلة قلت ما ضربني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لشيء علمه الله عز وجل في ، وحدثتني نفسي أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحت ، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنك داع لا تكسر قرن رعيتك ، فلما صلينا الغداة أو قال أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أناسا يتبعوني وإني لا يعجبني أن يتبعوني ، اللهم فمن ضربت أو سببت فاجعلها له كفارة وأجرا أو قال مغفرة ورحمة } أو كما قال إسناد جيد .

ولعل مراد الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى إن شاء الله تعالى ما في شرح مسلم وغيره أنه أجاب العلماء بوجهين :

( أحدهما ) المراد ليس بأهل لذلك عند الله عز وجل في باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب له فيظهر له النبي صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم الظاهر ، والله تعالى يتولى السرائر .

( والثاني ) : أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامهم بلا نية كقولهم : تربت يمينك وعقرى وحلقى لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء فخاف أن يصادف إجابة [ ص: 64 ] فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا ، وإنما كان يقع هذا منه نادرا ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه ، وفي الحديث { أنهم قالوا ادع على دوس فقال : اللهم اهد دوسا وقال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون } .

وقال ابن عقيل في الفنون إن المراد عند فورة الغضب لأمر يخصه ، أو لردع يردعه بذلك الكلام عن التجرؤ إلى فعل المعصية لا لعنه في الخمر ; لأنه تشريع في الزجر إلا أن يكون أراد رحمة فإنه يحتمل احتمالا حسنا ; لأن لعنته عند من لعنه غاية في المنع من ارتكاب ما لعنه عليه وتوبته فسمى اللعنة رحمة حيث كانت آيلة إلى الرحمة قال الشيخ تقي الدين بن تيمية كلامه المتقدم

قال ابن الأثير في النهاية في قوله { أن رجلا اعترض النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله فصاح به الناس فقال دعوا الرجل أرب ما له } قيل أرب بوزن علم ، ومعناها الدعاء عليه أي : أصيبت آرابه وسقطت وهي كلمة لا يراد بها وقوع الأمر كما يقال : تربت يداك وقاتلك الله ، وإنما تذكر في معرض التعجب وفي هذا التعجب من النبي صلى الله عليه وسلم قولان : أحدهما تعجبه من حرص السائل ومزاحمته . والثاني أنه لما رآه بهذه الحال من الحرص غلبه طبع البشرية فدعا عليه وقد قال في غير هذا الحديث { اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي له رحمة } وقيل معناه احتاج فسأل من أرب الرجل يأرب إذا احتاج . ثم قال " ما له " ؟ أي : أي شيء به وما يريد ؟

( والرواية الثانية ) أرب بوزن جمل أي : حاجة له ، وما زائدة للتقليل أي : له حاجة يسيرة . وقيل : معناه حاجة جاءت به ، فحذف ثم سأل فقال " ما له " . ( والرواية الثالثة ) أرب بوزن كتف ، والأرب الحاذق الكامل أي : هو أرب فحذف المبتدأ ثم سأل فقال " ما له " أي : ما شأنه .

[ ص: 65 ] وهذا أحسن من إعلامه فإن في إعلامه زيادة إيذاء له فإن تضرر الإنسان بما علمه من شتمه أبلغ من تضرره بما لا يعلم . ثم قد يكون سبب العدوان على الظالم أولا إذ النفوس لا تقف غالبا عند العدل والإنصاف ، فتبصر هذا ففي إعلامه هذان الفسادان . وفيه مفسدة ثالثة ولو كانت بحق وهو زوال ما بينهما من كمال الألف والمحبة ، أو تجدد القطيعة والبغضة والله تعالى أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة .

وهذه المفسدة قد تعظم في بعض المواضع أكثر من بعض وليس في إعلامه فائدة إلا تمكينه من استيفاء حقه كما لو علم فإن له أن يعاقب إما بالمثل إن أمكن أو بالتعزير أو بالحد وإذا كان في الإيفاء من الجنس مفسدة عدل إلى غير الجنس كما في القذف . وفي الفدية وفي الجراح إذا خيف الحيف ، وهنا قد لا يكون حيف إلا في غير الجنس أما العقوبة أو الأخذ من الحسنات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { من كانت عنده مظلمة لأخيه في دم أو مال أو عرض فليأته فليستحله قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم ولا دينار إلا الحسنات والسيئات فإن كان له حسنات أخذ من حسنات صاحبه فأعطيها ، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته فألقيت على صاحبه ثم يلقى في النار } .

وإذا كان فيعطيه في الدنيا حسنة بدل الحسنة فإن الحسنات يذهبن السيئات فالدعاء له والاستغفار إحسان إليه وكذلك الثناء عليه بدل الذم له وهذا عام فيمن طعن على شخص أو لعنه أو تكلم بما يؤذيه أمرا أو خبرا بطريق الإفتاء أو التحضيض أو غير ذلك فإن أعمال اللسان أعظم من أعمال اليد حيا أو ميتا ، حتى لو كان ذلك بتأويل ، أو شبهة ثم بان له الخطأ فإن كفارة ذلك أن يقابل الإساءة إليه بالإحسان بالشهادة له بما فيه من الخير والشفاعة له بالدعاء فيكون الثناء والدعاء بدل الطعن واللعن ويدخل في هذا أنواع الطعن واللعن الجاري بتأويل سائغ أو غير سائغ كالتكفير والتفسيق ونحو ذلك مما يقع بين المتكلمين في أصول الدين وفروعه كما يقع بين أصناف الفقهاء والصوفية ، وأهل الحديث وغيرهم من أنواع أهل العلم والنهى من كلام بعضهم في بعض تارة بتأويل مجرد ، وتارة بتأويل مشوب بهوى ، وتارة بهوى محض ، بل تخاصم هذا الضرب بالكلام والكتب كتخاصم [ ص: 66 ] غيرهم بالأيدي والسلاح وغيره ، وهو شبيه بقتال أهل العدل والبغي ، والطائفتين الباغيتين ، العادلتين من وجه والباغيتين من وجه .

وهذا باب نافع جدا والحاجة إليه ماسة جدا فعلى هذا لو سأل المقذوف والمسبوب لقاذفه هل فعل ذلك أم لا ؟ لم يجب عليه الاعتراف على الصحيح من الروايتين كما تقدم إذ توبته صحت في حق الله تعالى بالندم وفي حق العبد بالإحسان إليه بالاستغفار ونحوه ، وهل يجوز الاعتراف ، أو يستحب ، أو يكره ، أو يحرم ؟ الأشبه أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فقد يكون الاعتراف أصفى للقلوب كما يجري بين الأوداء من ذوي الأخلاق الكريمة ، ولما في ذلك من صدق المتكلم ، وقد تكون فيه مفسدة العدوان على الناس أو ركوب كبيرة فلا يجوز الاعتراف قال : وإذا لم يجب عليه الإقرار فليس له أن يكذب بالجحود الصريح ; لأن الكذب الصريح محرم والمباح لإصلاح ذات البين هل هو التعريض أو الصريح ؟ فيه خلاف ، فمن جوز الصريح هناك فهل يجوزه هنا ؟ فيه نظر ولكن يعرض فإن المعاريض مندوحة عن الكذب وهذا هو الذي يروى عن حذيفة بن اليمان أنه بلغ عثمان رضي الله عنه شيء فأنكر ذلك بالمعاريض وقال : أرقع ديني بعضه ببعض أو كما قال .

وعلى هذا فإذا استحلف على ذلك جاز له أن يحلف ويعرض ; لأنه مظلوم بالاستحلاف ، فإذا كان قد تاب وصحت توبته لم يبق لذلك عليه حق فلا تجب اليمين عليه ، لكن مع عدم التوبة والإحسان إلى المظلوم وهو باق على عداوته وظلمه فإذا أنكر بالتعريض كان كاذبا فإذا حلف كانت يمينه غموسا .

وقال الشيخ تقي الدين أيضا : سئلت عن نظير هذه المسألة وهو رجل تعرض لامرأة غيره فزنى بها ثم تاب من ذلك وسأله زوجها عن ذلك فأنكر فطلب استحلافه ، فإن حلف على نفي الفعل كانت يمينه غموسا ، وإن لم يحلف قويت التهمة ، وإن أقر جرى عليه وعليها من الشر أمر عظيم ؟ فأفتيته أنه يضم إلى التوبة فيما بينه وبين الله تعالى الإحسان إلى الزوج بالدعاء [ ص: 67 ] والاستغفار ، والصدقة عنه ونحو ذلك مما يكون بإزاء إيذائه له في أهله ، فإن الزنا بها تعلق به حق الله تعالى ، وحق زوجها من جنس حقه في عرضه ، وليس هو مما ينجبر بالمثل كالدماء والأموال ، بل هو من جنس القذف الذي جزاؤه من غير جنسه ، فتكون توبة هذا كتوبة القاذف ، وتعريضه كتعريضه ، وحلفه على التعريض كحلفه . وأما لو ظلمه في دم أو مال فإنه لا بد من إيفاء الحق فإن له بدلا ، وقد نص أحمد في الفرق بين توبة القاتل وبين توبة القاذف .

وهذا الباب ونحوه فيه خلاص عظيم وتفريج كربات للنفوس من آثار المعاصي والمظالم فإن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله عز وجل ، ولا يجرئهم على معاصي الله تعالى . وجميع النفوس لا بد أن تذنب فتعريف النفوس ما يخلصها من الذنوب من التوبة والحسنات الماحيات كالكفارات والعقوبات هو من أعظم فوائد الشريعة انتهى كلامه .

وقال ابن عقيل : فإن كانت المظلمة فساد زوجة جاره أو غيره في الجملة وهتك فراشه قال بعضهم : احتمل أن لا يصح إحلاله من ذلك ; لأنه مما لا يستباح بإباحته ابتداء فلا يبرأ بإحلاله بعد وقوعه قال ابن عقيل : وعندي أنه يبرأ بالإحلال بعد وقوعه وينبغي أن يستحله فإنه حق لآدمي فيجوز أن يبرأ بالإحلال بعد وقوع المظلمة ولا يملك إباحتها ابتداء كالدم والقذف ، والدليل على أنه حق له أنه يلاعن زوجته ويفسخ نكاحها لأجل التهمة به وغلبة ذلك على ظنه وإنما يتحالف في حقوق الآدميين انتهى كلامه .

ولأن الزوج يمنع من وطئها زمن العدة وفي منعه من مقدمات الجماع خلاف وذلك سبب فعل الزاني لا سيما إن كان كرهها فقد ظلمها وظلم الزوج .

وقد روى النسائي وابن ماجه والترمذي وصححه حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وفيه { ألا إن لكم على نسائكم حقا ، وإن لنسائكم عليكم حقا ، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن [ ص: 68 ] تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن } .

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الذنب أعظم ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قيل : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قيل : ثم أي ؟ قال : أن تزاني حليلة جارك } قال في شرح مسلم وذلك يتضمن الزنا وإفسادها على زوجها واستمالة قلبها إلى الزاني وهو مع امرأة الجار أشد قبحا وجرما ; لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه ويأمن بوائقه ، ويطمئن إليه وقد أمر بإكرامه والإحسان إليه ، فإذا قابل هذا بالزنا بامرأته وأفسدها عليه مع تمكنه منها على وجه لا يتمكن منه غيره كان في غاية من القبح انتهى كلامه .

وعلى هذا يكون المراد بما يأتي من أن الحد كفارة أي في حق الله عز وجل ، أما حق الآدمي فالكلام فيه كغيره من حقوق الآدميين ولهذا لو اقتص من القاتل لم يسقط حق الله عز وجل فيه مع أنه مبني على المسامحة فأولى أن لا يسقط حق الآدمي هنا ، ولا يلزم أن يختص بعقوبة في الدنيا سوى الحد الذي هو حق الله عز وجل في القصاص ، وقذف الآدمي بالزنا ، أو غيره بشيء والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية