الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : الفارق بين الماء الكثير والقليل

                                                                                                                                            قال الشافعي : " احتج بأنه قيل يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة وهي تطرح فيها المحايض ولحوم الكلاب وما ينجي الناس فقال : " الماء لا ينجسه شيء " قال ومعنى لا ينجسه شيء إذا كان كثيرا لم يغيره النجس . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير ريحه أو طعمه " وقال فيما روي عن ابن عباس أنه نزح زمزم من زنجي مات فيها إما لا نعرفه وزمزم عندنا وروي عن ابن عباس أنه قال : " أربع لا يخبثن " [ ص: 336 ] فذكر الماء وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون الدم ظهر فيها فنزحها إن كان فعل أو تنظيفا لا واجبا . وإذا كان الماء خمس قرب كبار من قرب الحجاز ، فوقع فيه دم أو أي نجاسة كانت ، فلم يغير طعمه ولا لونه و لا ريحه ، ولم ينجس ، وهو بحاله طاهر ، لأن فيه خمس قرب فصاعدا وهذا فرق ما بين الكثير الذي لا ينجسه إلا ما غيره ، ومن القليل الذي ينجسه ما لم يغيره " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا ثبت أن القلتين فرق بين قليل الماء وكثيره ، وأن القلتين خمس قرب بما وصفنا ، وأن الخمس قرب خمسمائة رطل ما بينا صار كثير الماء خمسمائة رطل ، وقليله ما دونها ثم إن الشافعي ذكر في هذه المسألة حكم كثير الماء وما يفرع عليه من أحكام النجاسة ، وذكر بعده حكم قليل الماء وما يتفرع عليه من أحكام النجاسة ، فإذا كان الماء كثيرا ووقعت فيه نجاسة مائعة أو متجسدة فلا يخلو أن يتغير بها الماء أولا يتغير فإن لم يتغير بها الماء فهو طاهر مطهر ، ثم لا تخلو النجاسة من أن تكون مائعة [ أو متجسدة فإن كانت مائعة ] كبول أو خمر أهريق فيه فاستعمال جميع الماء شيئا بعد شيء حتى يستنفد جميعه جائز ولا يلزم استبقاء شيء منه ، وقال بعض أصحابنا : لا يجوز أن يستعمل جميعه حتى يستبقي منه قدر النجاسة الواقعة فيه لعلمنا أنه باستعمال جميعه مستعمل النجاسة ، وهذا خطأ : لأن النجاسة لما لم يظهر لها أثر صارت مستهلكة ، فعفي عنها ، ولأنه إذا استبقى من جملة الماء قدر النجاسة فنحن نحيط علما بأن ما استبقاه ليس بنجاسة محضة تميزت عن المستعمل ، وانحازت إلى المستبقى ، وإنما الباقي ماء فيه جزء من النجاسة ، فكذلك المستعمل فلم يكن لهذا القول وجه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية