الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين - سبحانه - كيف نزل بهم العذاب؛ فعبر عن أمر الله بعذابهم بصيحة أرجفت أرضهم وديارهم؛ وجاءتهم بريح صرصر عاتية؛ فقال: فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ؛ الفاء عاطفة على القسم السابق؛ جاء ما بعده فوره؛ أي: بعد زمن ليس ببعيد في علم الله؛ والصيحة بالحق هي إرادة الله التي تكون بالحق دائما؛ فهي كناية عن إرادة الله (تعالى) التي لا يتخلف حكمها ساعة من زمان؛ وكانت هذه الإرادة تتجلى في رجفة تجعل عالي الأرض سافلها؛ أو تدكدك الديار؛ أو بريح صرصر عاتية؛ كما فعل الله مع قوم لوط وعاد وثمود.

                                                          وقوله (تعالى): فأخذتهم الصيحة ؛ تعبير مجازي مؤداه أنه نزلت بهم آثارها التي أرادها الله (تعالى) بهم؛ وقد شبهت الصيحة بسبع التهمهم وأخذهم; لأنها لم تبق منهم ولم تذر؛ وقال (تعالى): فجعلناهم غثاء ؛ الفاء عاطفة على " فأخذتهم " ؛ [ ص: 5075 ] أي أن هذه أمور متعاقبة من غير تراخ؛ و " الغثاء " : الأشياء التي ليس لها كيان؛ ولكن تبدو كأنها شيء موجود له كيان؛ جاء في مفردات الراغب الأصفهاني - في مفردات القرآن -: " الغثاء " : غثاء السيل والقدر؛ وهو ما يطفح؛ ويغرق من النبات اليابس؛ وزبد القدر؛ ويضرب به المثل فيما يضيع؛ ويذهب غير معتد به؛ ويقال: " غثا الوادي غثوا " ؛ و " غثت نفسه تغثى غثيانا؛ غثيت " .

                                                          ومؤدى هذا القول أن أولئك الذين كانوا يحسبون أنهم كجلاميد الصخر في عنفهم؛ وعنادهم؛ وإيذائهم؛ قد صاروا شيئا ليس له كيان؛ وإن كان لهم كيان؛ فهو لا يبقى زمانين؛ بل كان رغاء؛ يعلو وينتفخ ويزول بنفخة واحدة؛ وقال (تعالى): فبعدا للقوم الظالمين ؛ الفاء للإفصاح؛ أي: إذا كانوا قد صاروا غثاء فقد بعدوا وهلكوا؛ فبعدا وهلاكا لهم؛ والبعد ضد القرب؛ والبعد لغير أوبة هلاك وموت; لذا يقال: " بعد " ؛ بكسر العين؛ بمعنى: " مات " ؛ و " هلك " ؛ كما قال (تعالى): كما بعدت ثمود ؛ أي: هلكت؛ وأظهر - سبحانه - في موضع الإضمار؛ لبيان أن ذلك كان بسبب ظلمهم لأنفسهم؛ وللناس؛ وللحقائق؛ ولتدليهم في الشرك؛ فعقابهم قصاص من ظلمهم؛ وما ربك بظلام للعبيد.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية