الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا إعراض عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها ، فأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة ( ولهم ) خبر مقدم ( وآلهة ) مبتدأ وجملة تمنعهم صفته ( ومن دوننا ) قيل صفة بعد صفة أي بل ألهم آلهة مانعة لهم [ ص: 52 ] متجاوزة منعنا أو حفظنا فهم معولون عليها واثقون بحفظها ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن في الكلام تقديما وتأخيرا والأصل أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ، وعليه يكون من دوننا صفة أيضا ، وقال الحوفي : إنه متعلق بتمنعهم أي بل ألهم آلهة تمنعهم من عذاب من عندنا ، والاستفهام لإنكار أن يكون لهم آلهة كذلك ، وفي توجيه الإنكار والنفي إلى وجود الآلهة الموصوفة بما ذكر لا إلى نفس الصفة بأن يقال أم تمنعهم آلهتهم إلخ من الدلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود فضلا عن رتبة المنع ما لا يخفى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض الأجلة : إن الإضراب الذي تضمنته ( أم ) عائد على الأمر بالسؤال كالإضراب السابق لكنه أبلغ منه من حيث إن سؤال الغافل عن الشيء بعيد وسؤال المعتقد لنقيضه أبعد ، وفهم منه بعضهم أن الهمزة عليه للتقرير بما في زعم الكفرة تهكما .

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب أنه ليس بمتعين فيجوز أن يكون للإنكار لا بمعنى أنه لم يكن منهم زعم ذلك بل بمعنى أنه لم كان مثله مما لا حقيقة له ، والأظهر عندي جعله عائدا على الوصف بالإعراض كما سمعت أولا ، وفي الكشف ضمن الإعراض عن وصفهم بالإعراض إنكاره أبلغ الإنكار بأنهم في إعراضهم عن ذكره تعالى كمن له كالئ يمنعه عن بأسنا معرضا فيه بجانب آلهتهم وأنهم أعرضوا عنه تعالى واشتغلوا بهم ولهذا رشح بما بعد كأنه قيل دع حديث الإعراض وانظر إلى من أعرضوا عن ربهم سبحانه إليه فإن هذا أطم وأطم فتأمله فإنه دقيق .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون استئناف مقرر لما قبله من الإنكار أي لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم ويدفعوا عنها ما ينزل بها ولا هم منا يصحبون بنصر أو بمن يدفع عنهم ذلك من جهتنا فهم في غاية العجز وغير معتنى بهم فكيف يتوهم فيهم ما يتوهم ، فالضمائر للآلهة بتنزيلهم منزلة العقلاء وروي عن قتادة ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها للكفرة على معنى لا يستطيع الكفار نصر أنفسهم بآلهتهم ولا يصحبهم نصر من جهتنا ، والأول أولى بالمقام وإن كان هذا أبعد عن التفكيك ، ( ومنا ) على القولين يحتمل أن يتعلق بالفعل بعده وأن يتعلق بمقدر وقع صفة لمحذوف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية